إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

وقولُه تعالَى : { والسابقون السابقون } هُو القِسمُ الثالثُ من الأزواجِ الثلاثةِ ولعلَّ تأخيرَ ذكرِهم مع كونِهم أسبقَ الأقسامِ وأقدمَهم في الفضلِ ليقترنَ ذكرُهم ببيانِ محاسنِ أحوالِهم ، على أنَّ إيرادَهُم بعنوانِ السبقِ مُطلقاً معربٌ عن إحرازِهم لقصبِ السبقِ من جميعِ الوجوهِ وتكلمُوا فيهم أيضاً فقيلَ هم الذينَ سبقُوا إلى الإيمانِ والطاعةِ عند ظهورِ الحقِّ من غير تلعثمٍ وتوانٍ ، وقيلَ : الذينَ سبقوا في حيازةِ الفضائلِ والكمالاتِ ، وقيلَ هُم الذينَ صلَّوا إلى القبلتينِ كما قالَ تعالى : { والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار } [ سورة التوبة ، الآية 100 ] وقيلَ هم السابقونَ إلى الصلواتِ الخمسِ ، وقيل : المسارعونَ في الخيراتِ . وأيَّاً ما كانَ فالجملةُ مبتدأٌ وخبرٌ . والمَعْنى والسابقونَ هم الذينَ اشتهرتْ أحوالُهم وعرفتْ محاسنُهم ، كقولِ أبي النَّجم : [ الرجز ]

أنَا أبُو النَّجم وشِعْرِي شِعْرِي{[764]} *** . . .

وفيهِ من تفخيمِ شأنِهم والإيذانِ بشيوعِ فضلِهم واستغنائِهم عن الوصفِ بالجميلِ ما لا يَخْفى ، وقيلَ والسابقونَ إلى طاعةِ الله تعالى السابقونَ إلى رحمتِه أو السابقونَ إلى الخيرِ السابقونَ إلى الجنةِ .


[764]:ورد لأبي النجم في أمالي المرتضى (1350)؛ وخزانة الأدب (1/439) وشرح شواهد المغني (2/947)؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب (8/307)؛ (9/412)؛ ومغني اللبيب (1/329)، (2/435، 437).