( الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ) . .
ووجه الصلة بين الحقيقة السابقة وبين الاختيال والفخر ، ثم بين هذا وذلك وبين البخل والأمر بالبخل ، هو أن من يشعر بأن كل ما يصيبه هو من أمر الله ، لا يختال ولا يفخر بما يعطاه . ولا يبخل ولا يأمر بالبخل في عطاء . فأما الذي لا يشعر بتلك الحقيقة فيحسب أن ما يؤتاه من مال وقوة وجاه هو من كسبه فيفخر ويختال به ؛ ثم يبخل كذلك ببذل شيء منه ، ويحث غيره على البخل ليحقق مبدأه ومنهجه !
( ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) . .
فمن ينفق فإنما ينفق لنفسه ، ومن يستجب فإنما يستجيب لمصلحته . والله هو الغني فما به من حاجة إلى العباد المحاويج . والله هو الحميد بذاته فما يناله شيء من حمد الحامدين !
ثم بين الله أوصافَ المختالين الذين يَفْخرون على الناس فقال : { الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل } هؤلاء لا يحبّهم الله ، ولا ينظر إليهم يومَ القيامة .
{ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغني الحميد }
ومن يُعرِض عن طاعة الله ، فإن الله غنيٌّ عنه ، وهو المحمودُ من خلقه لما أنعم عليهم من نعمه ، لا تضرّه معصية من عصى ، ولا تنفعه طاعة من أطاع .
قرأ الجمهور : بالبُخْل بضم الباء وإسكان الخاء . وقرأ مجاهد وابن مُحَيصن وحمزة والكسائي : بالبَخَل بفتحتين وهما لغتان . والبخل بفتحتين لغة الأنصار . وقرأ نافع وابن عامر : إن الله الغني الحميد ، بحذف هو ، والباقون : إن الله هو الغني الحميد .
وقوله تعالى : { الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل } بدل من { كُلَّ مُخْتَالٍ } [ الحديد : 23 ] بدل كل من كل فإن المختال بالمال يضن به غالباً ويأمر غيره بذلك ، والظاهر أن المراد أنهم يأمرون حقيقة ، وقيل : كانوا قدوة فكأنهم يأمرون أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين الخ ، أو مبتدأ خبره محذوف تقديره يعرضون عن الإنفاق الغني عنه الله عز وجل ، ويدل عليه قوله تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغنى الحميد } فإن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله سبحانه غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإعراض عن شكره بالتقرب إليه بشيء من نعمه جل جلاله ، وقيل : تقديره مستغنى عنهم ، أو موعودون بالعذاب أو مذمومون .
وجوز أن يكون في موضع نصب على إضمار أعني أو على أنه نعت لكل مختال فإنه مخصص نوعاً مّا من التخصيص فساغ وصفه بالمعرفة وهذا ليس بشيء ، وقال ابن عطية : جواز مثل ذلك مذهب الأخفش ولا يخفى ما في الجملة من الإشعار بالتهديد لمن تولى ، وقرأ نافع . وابن عامر فإن الله الغني بإسقاط هو وكذا في مصاحف المدينة والشام وهو في القراءة الآخرى ضمير فصل ، قال أبو علي : ولا يحسن أن يكون مبتدأ وإلا لم لم يجز حذفه في القراءة الثانية لأن ما بعده صالح لأن يكون خبراً فلا يكون هناك دليل على الحذف وهذا مبني على وجوب توافق القراءتين إعراباً وليس بلازم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.