( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ، إنه هو السميع العليم ) . .
فالغضب قد ينزغ . وقد يلقي في الروع قلة الصبر على الإساءة . أو ضيق الصدر عن السماحة . فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم حينئذ وقاية ، تدفع محاولاته ، لاستغلال الغضب ، والنفاذ من ثغرته .
إن خالق هذا القلب البشري ، الذي يعرف مداخله ومساربه ، ويعرف طاقته واستعداده ، ويعرف من أين يدخل الشيطان إليه ، يحوط قلب الداعية إلى الله من نزغات الغضب . أو نزغات الشيطان . مما يلقاه في طريقه مما يثير غضب الحليم .
إنه طريق شاق . طريق السير في مسارب النفس ودروبها وأشواكها وشعابها ، حتى يبلغ الداعية منها موضع التوجيه ؛ ونقطة القياد ! ! !
{ 36 - 39 } { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }
لما ذكر تعالى ما يقابل به العدو من الإنس ، وهو مقابلة إساءته بالإحسان ، ذكر ما يدفع به العدو الجني ، وهو الاستعاذة بالله ، والاحتماء من شره فقال :
{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ } أي : أي وقت من الأوقات ، أحسست بشيء من نزغات الشيطان ، أي : من وساوسه وتزيينه للشر ، وتكسيله عن الخير ، وإصابة ببعض الذنوب ، وإطاعة له ببعض ما يأمر به { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } أي : اسأله ، مفتقرًا إليه ، أن يعيذك ويعصمك منه ، { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } فإنه يسمع قولك وتضرعك ، ويعلم حالك واضطرارك إلى عصمته وحمايته .
ولما كان التقدير : فإن لقيت ذلك وأعاذك الله من الشيطان فأنت أنت ، عطف عليه قوله معبراً بأداة الشك المفهمة لجواز وقوع ذلك في الجملة ، مع العلم بأنه صلى الله عليه وسلم معصوم إشارة إلى رتبة الإنسان من حيث هو إنسان وإلى أن الشيطان يتوهم مع علمه بالعصمة أنه يقدر على ذلك فيعلق أمله به ، وكأنه لذلك أكد لأن نزغه له في محل الإنكار { وإمّا } ولما كانت وسوسة الشيطان تبعث على ما لا ينبغي ، وكان العاقل لا يفعل ما لا ينبغي إلا بالالجاء ، شبه المتعاطي له بالمنخوس الذي حمله النخس على ارتكاب ما يضر فقال : { ينزغنك } أي ينخسنك ويطعننك طعناً مفسداً فيحصل لك تألم { من الشيطان } البعيد من الرحمة المحترق باللعنة . ولما كان المقام خطراً لأن الطبع مساعد للوسواس ، جعل النزغ نفسه نازغاً إشارة إلى ذلك فقال : { نزغ } أي وسوسة تحرك نحو الموسوس من أجله وتبعث إليه بعث المنخوس إلى الجهة التي يوجه إليها ، فإن ينبعث إلى تلك الجهة بعزم عظيم { فاستعذ بالله } أي استجر بالملك الأعلى واطلب منه الدخول في عصمته مبادراً إلى ذلك حين نخس بالنزغة فإنه لا يقدر على الإعاذة منه غيره ، ولا تذر النزغة تتكرر ، بل ارجع إلى المحيط علماً وقدرة في أول الخطرة ، فإنك إن لم تخالف أول الخطرة صارت فكرة فيحصل العزم فتقع الزلة فتصير قسوة فيحصل التمادي - نبه عليه القشيري .
ولما كانت الاستعاذة هنا من الشيطان ، وكان نزغه مما يعلم لا مما يرى وكانت صفة السمع نعم ما يرى وما لا يرى ، قال مؤكداً لوقوف الجامدين مع الظواهر : { إنه هو } أي وحده { السميع } وختم بقوله : { العليم * } الذي يسمع كل مسموع من استعاذتك وغيرها ، ويعلم كل معلوم من نزغه وغيره ، فهو القادر على رد كيده ، وتوهين أمره وأيده ، وليس هو كما جعلتموه له من الأنداد الصم البكم التي لا قدرة لها على شيء أصلاً .
قوله : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ } يعني : إما يُلقينَّ الشيطانُ في نفسك شيئا من وساوسه لإثارة الغضب فيك وحَمْلِكَ على مقابلة الإساءة بالإساءة فالجأ إلى الله واعتصم به من خطوات الشيطان ووساوسه ونزغاته .
قوله : { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } الله يسمع تعوذك من وسوسة الشيطان والتجاءك إليه ، وهو سبحانه يعلم بما ينزغه الشيطان في قلوب العباد وما يحدِّث به أنفُسَهم ، والله جل وعلا يعصم المستجبرين بالله المستعيذين به من همز الشيطان ومن نفخه ونفثه .
ومن لطيف ما ذكره الإمام ابن كثير رحمه الله في هذا الصدد – وهو يبين أن شيطان الجن لهو أشد بلاء وخطرا على الإنسان من شيطان الإنس – إذْ قال في تأويل هذه الآية : إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه – أي بالحيلة – وأما شيطان الجن فإنه لا حيلة للمرء فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك ، فإذا استعذت بالله والتجأت إليه كفه عنك ورد كيده ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول : " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه " {[4061]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.