وأمام هذا المشهد الخاشع يلقي بالإيقاع الأخير في هذه الجولة ؛ متخذا من ذلك المشهد دليلا كونيا على يسر الخلق وسهولة البعث :
( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة . إن الله سميع بصير ) . .
والإرادة التي تخلق بمجرد توجه المشيئة إلى الخلق ، يستوي عندها الواحد والكثير ؛ فهي لا تبذل جهدا محدودا في خلق كل فرد ، ولا تكرر الجهد مع كل فرد . وعندئذ يستوي خلق الواحد و خلق الملايين . وبعث النفس الواحدة وبعث الملايين . إنما هي الكلمة . هي المشيئة : ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) . .
ومع القدرة العلم والخبرة مصاحبين للخلق والبعث وما وراءهما من حساب وجزاء دقيق : ( إن الله سميع بصير ) . .
قوله تعالى : " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " قال الضحاك : المعنى ما ابتداء خلقكم جميعا إلا كخلق نفس واحدة ، وما بعثكم يوم القيامة إلا كبعث نفس واحدة . قال النحاس : وهكذا قدره النحويون بمعنى إلا كخلق نفس واحدة ، مثل : " واسأل القرية " {[12621]} [ يوسف : 82 ] . وقال مجاهد : لأنه يقول للقليل والكثير كن فيكون . ونزلت الآية في أبي بن خلف وأبي الأسدين{[12622]} ومنبِّه ونبيه ابني الحجاج بن السباق ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قد خلقنا أطوارا ، نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ، ثم تقول إنا نبعث خلقا جديدا جميعا في ساعة واحدة ! فأنزل الله تعالى : " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " ، لأن الله تعالى لا يصعب عليه ما يصعب على العباد ، وخلقه للعالم كخلقه لنفس واحدة . " إن الله سميع " لما يقولون " بصير " بما يفعلون .
ولما ختم بهاتين الصفتين بعد إثبات القدرة على الإبداع من غير انتهاء ، ذكر بعض آثارهما{[54180]} في البعث الذي تقدم أول السورة وأثناءها ذكره إلى{[54181]} أن حذرهم به في قوله " إلينا مرجعهم " فقال : { ما خلقكم } أي كلكم في عزته وحكمته إلا كخلق{[54182]} نفس واحدة ، وأعاد النافي نصاًَ على كل واحد من الخلق والبعث على حدته فقال : { ولا بعثكم } كلكم { إلا كنفس } أي كبعث نفس{[54183]} ، وبين الأفراد تحقيقاً للمراد ، وتأكيداً للسهولة فقال : { واحدة } فإن كلماته مع كونها غير نافدة نافذة{[54184]} ، وقدرته مع كونها باقية بالغة ، فنسبه القليل والكثير إلى قدرته على حد سواء ، لأنه لا يشغله شأن عن شأن ، ثم دل على ذلك بقوله مؤكداً لأن تكذيبهم لرسوله وردهم لما شرفهم به يتضمن الإنكار لأن يكونوا{[54185]} بمرأى منه ومسمع : { إن الله } أي الملك الأعلى الذي له الإحاطة الشاملة { سميع }
أي بالغ السمع يسمع كل ما يمكن سمعه من المعاني في {[54186]}آن واحد{[54187]} لا يشغله شيء منها عن غيره { بصير* } بليغ البصر يبصر كذلك كل ما يمكن أن يرى من الأعيان والمعاني ، ومن كان كذلك كان محيط العلم بالغه{[54188]} شامل القدرة تامها ، فهو يبصر جميع الأجزاء من كل ميت ، ويسمع كل ما يسمع من معانيه ، فهو بإحاطة علمه وشمول قدرته يجمع تلك الأجزاء ، ويميز بعضها من بعض ، ويودعها تلك المعاني ، فإذا هي أنفس قائمة كما كانت أول مرة في أسرع من لمح البصر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.