التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ} (28)

/خ27

والآية الثانية [ 28 ] جاءت بأسلوب المخاطب . ونرجح أنها موجهة للمشركين الذين ينكرون البعث الأخروي بسبيل الرد عليهم . فهم يعترفون بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض كما جاء في الآية [ 25 ] وهم يعترفون بأن الله هو الذي خلقهم كما جاء في آية سورة الزخرف هذه : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ( 87 ) } فمن المناقضة أن يعترفوا بقدرة الله بدءا وينكروها إعادة ، ومن الغباء أن يظنوا أن هناك تحديدا لقدرة الله وفرقا بالنسبة إليها بين خلق فرد وبين خلق جميع الناس وبعثهم ، وفي ما هو ماثل أمامهم من عظمة كون الله الذي يعترفون بخلقه إياه وبآياته ونواميسه الباهرة فيه برهان لا يدحض على ذلك .

وجملة { ألم ترى } التي تبدأ بها الآية الثالثة قد تلهم أن سامعي القرآن يعرفون ويفهمون مدى ما احتوته الآيات من نواميس كونية ربانية ، وبذلك يستحكم في المشركين منهم التنديد القرآني بقوة أشد ، والله تعالى أعلم . وفي القرآن آيات فيها جملة { أولم يعلموا } في مقام { أولم يروا } كما هو الأمر في الآية [ 37 ] من سورة الروم والآية [ 52 ] في

سورة الزمر .

تعليق على رواية مدنية

الآيات [ 27 ، 28 ، 29 ] .

ولقد روى المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيات [ 27 ، 28 ، 29 ] مدنيات . ولقد روى الطبري عن ابن عباس : ( أن أحبار يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة : يا محمد أرأيت قوله { وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } الإسراء : [ 75 ] . إيانا تريد أم قومك فقال : كلاكما . فقالوا : ألست تتلو فيما جاءك إنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شيء ؟ فقال : إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم فأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك { ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام . . . . . . . . . } الخ [ 27 ] ونحن نتوقف في هذه الرواية وفي رواية مدنية الآيات بالتبعية لأنها منسجمة مع ما قبلها وبعدها انسجاما وثيقا سبكا ومعنى وتوجيها وموضوعا على ما يبدو عند إنعام النظر . ولا تفهم أي حكمة لوضعها لو كانت مدنية في هذا السياق .

وقد روى بعض المفسرين{[1629]} أن بعض المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك السؤال بإيعاز من اليهود . وقد يكون هذا صحيحا لأن من المشركين من كان يحاول إفحام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومحاجته في ما يتخيله من تناقض في ما يتلوه من الفصول القرآنية . وقد كان في مكة والمدينة يهود كثيرون ، ولا يبعد أن يكون بعضهم وسوس لبعض المشركين بإلقاء ذلك السؤال بقصد التعجيز والإفحام وإظهار التناقض أيضا .

غير أن الذي نرجحه أن الآيات لم تنزل لحدتها منفصلة عن ما سبقها ولحق بها ، والصلة الوثيقة بين ما سبقها ولحق بها بارزة .

وكل ما يحتمل أنها احتوت ردا على ما أورده أو احتج به بعض المشركين أو بعض الكتابيين في موقف من المواقف .


[1629]:انظر تفسير الآيات في تفسير البغوي.