( قل : ادعوا الذين زعمتم من دون الله . لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، وما لهم فيهما من شرك ، وما له منهم من ظهير ) . .
إنه التحدي في مجال السماوات والأرض على الإطلاق :
( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله ) . .
ادعوهم . فليأتوا . وليظهروا . وليقولوا أو لتقولوا أنتم ماذا يملكون من شيء في السماوات أو في الأرض جل أو هان ?
( لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ) . .
ولا سبيل لأن يدعوا ملكية شيء في السماوات أو في الأرض . فالمالك لشيء يتصرف فيه وفق مشيئته . فماذا يملك أولئك المزعومون من دون الله ? وفي أي شيء يتصرفون تصرف المالك في هذا الكون العريض ?
لا يملكون في السماوات والأرض مثقال ذرة ملكية خالصة ، ولا على سبيل المشاركة :
والله - سبحانه - لا يستعين بهم في شيء . فما هو في حاجة إلى معين :
ويظهر أن الآية هنا تشير إلى نوع خاص من الشركاء المزعومين . وهم الملائكة الذين كانت العرب تدعوهم بنات الله ؛ وتزعم لهم شفاعة عند الله . ولعلهم ممن قالوا عنهم : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) . .
{ 22 - 23 } { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
أي : { قُلْ } يا أيها الرسول ، للمشركين باللّه غيره من المخلوقات ، التي لا تنفع ولا تضر ، ملزما لهم بعجزها ، ومبينا لهم بطلان عبادتها : { ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ } أي : زعمتموهم شركاء للّه ، إن كان دعاؤكم ينفع ، فإنهم قد توفرت فيهم أسباب العجز ، وعدم إجابة الدعاء من كل وجه ، فإنهم ليس لهم أدنى ملك ف { لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ } على وجه الاستقلال ، ولا على وجه الاشتراك ، ولهذا قال : { وَمَا لَهُمْ } أي : لتلك الآلهة الذين زعمتم { فِيهِمَا } أي : في السماوات والأرض ، { مِنْ شِرْكٍ } أي : لا شرك قليل ولا كثير ، فليس لهم ملك ، ولا شركة ملك .
بقي أن يقال : ومع ذلك ، فقد يكونون أعوانا للمالك ، ووزراء له ، فدعاؤهم يكون نافعا ، لأنهم - بسبب حاجة الملك إليهم - يقضون حوائج من تعلق بهم ، فنفى تعالى هذه المرتبة فقال : { وَمَا لَهُ } أي : للّه تعالى الواحد القهار { مِنْهُمْ } أي : من هؤلاء المعبودين { مِنْ ظَهِيرٍ } أي : معاون ووزير يساعده على الملك والتدبير .
قوله تعالى : { قل } يا محمد لكفار مكة ، { ادعوا الذين زعمتم } أنهم آلهة ، { من دون الله } وفي الآية حذف ، أي : ادعوهم ليكشفوا الضر الذي نزل بكم في سني الجوع ، ثم وصفها فقال : { لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض } من خير وشر ونفع وضر { وما لهم } أي : للآلهة ، { فيهما } في السموات والأرض ، { من شرك } من شركة ، { وما له } أي : وما لله ، { منهم من ظهير } عون .
قوله تعالى : " قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله " أي هذا الذي مضى ذكره من أمر داود وسليمان وقصة سبأ من آثار قدرتي ، فقل يا محمد لهؤلاء المشركين هل عند . شركائكم قدرة على شيء من ذلك . وهذا خطاب توبيخ ، وفيه إضمار : أي ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لكم من دون الله لتنفعكم أو لتدفع عنكم ما قضاه الله تبارك وتعالى عليكم ، فإنهم لا يملكون ذلك ، " وما له منهم من ظهير " أي ما لله من هؤلاء من معين على خلق شيء ، بل الله المنفرد بالإيجاد ، فهو الذي يعبد ، وعبادة غيره محال .
ولما أثبت سبحانه {[56780]}لنفسه و{[56781]} لذاته الأقدس من الملك في السماوات والأرض وغيرهما ما رأيت ، واستدل عليه من الأدلة التي لا يمكن التصويب إليها بطعن بما{[56782]} سمعت ، وكان المقصود الأعظم التوحيد فإنه أصل ينبني عليه كل خير قال : { قل } أي يا{[56783]} أعلم الخلق ! بإقامة الأدلة لهؤلاء الذين أشركوا ما لا يشك في حقارته من له أدنى مسكة : { ادعوا الذين زعمتم } أي أنهم آلهة كما تدعون الله لا سيما في وقت الشدائد ، وحذف مفعولي{[56784]} " زعم " وهما ضميرهم وتألههم{[56785]} تنبيهاً على استهجان ذلك واستبشاعه ، وليس المذكور في الآية مفعولاً ولا قائماً مقام المفعول لفساد المعنى ؛ وبين حقارتهم بقوله : { من دون الله } أي الذي حاز جميع العظمة لشيء مما أثبته سبحانه لنفسه فليفعلوا شيئاً مثله أو يبطلو{[56786]} شيئاً مما فعله سبحانه .
ولما كان جوابهم في ذلك السكوت عجزاً وحيرة ، تولى سبحانه الجواب عنهم ، إشارة إلى أن جواب كل من له تأمل لا وقفة فيه بقوله ، معبراً عنهم بعبارة من له علم بإقامتهم في ذلك المقام ، أو لأن بعض من ادعيت إلهيته ممن له علم : { لا يمكلون } أي الآن ولا يتجدد لهم شيء من ذلك أصلاً .
ولما كان المراد المبالغة في الحقارة بما تعرف{[56787]} العرب قال : { مثقال ذرة } ولما أريد العموم عبر بقوله : { في السماوات } وأكد فقال : { ولا في الأرض } لأن السماء ما علا ، والأرض ما سفل ، والسماوات في العرش ، والأرض في السماء ، فاستغرق ذلك النفي عنهما وعن كل ما فيهما{[56788]} من ذات ومعنى إلى العرش ، وهو ذو العرش العظيم .
ولما كان هذا ظاهراً{[56789]} في نفي الملك الخالص عن شوب المشاركة ، نفى المشاركة أيضاً بقوله مؤكداً تكذيباً لهم فيما يدعونه : { وما لهم فيهما } أي{[56790]} السماوات والأرض ولا فيما فيهما ، وأعرق في النفي فقال : { من شرك } أي{[56791]} في{[56792]} {[56793]}خلق ولا{[56794]} مُلك ولا مِلك ، وأكد النفي بإثبات الجار . ولما كان مما{[56795]} في السماوات والأرض نفوس هذه الأصنام{[56796]} ، وقد انتفى ملكهم لشيء من أنفسهم أو ما أسكن فيها سبحانه من قوة أو منفعة ، فانتفى أن يقدروا على إعانة غيرهم ، وكان للتصريح مزيد روعة للنفوس وهزة للقلوب وقطع للأطماع ، حتى لا يكون هناك متشبث{[56797]} قويّ ولا واهٍ قال : { وما له } أي الله { منهم } وأكد النفي بإثبات الجار فقال : { من ظهير * } أي معين على شيء مما يريده ، فكيف يصح مع هذا العجز الكلي أن يدعوا كما يدعى ويرجوا كما يرجى ويعبدوا كما يعبد .