في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٞ لَّكُمۡ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِۚ إِنِ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} (20)

ثم يلمس قلوبهم لمسة أخرى تعود بهم إلى مشهد البأس والفزع من الخسف والحاصب ، بعد أن جال بهم هذه الجولة مع الطير السابح الآمن . فيردد قلوبهم بين شتى اللمسات عودا وبدءا كما يعلم الله من أثر هذا الترداد في قلوب العباد :

( أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ? إن الكافرون إلا في غرور ) . .

وقد خوفهم الخسف وخوفهم الحاصب ، وذكرهم مصائر الغابرين الذين أنكر الله عليهم فأصابهم التدمير . فهو يعود ليسألهم : من هو هذا الذي ينصرهم ويحميهم من الله ، غير الله ? من هو هذا الذي يدفع عنهم بأس الرحمن إلا الرحمن ? ( إن الكافرون إلا في غرور ) . . غرور يهيئ لهم أنهم في أمن وفي حماية وفي اطمئنان ، وهم يتعرضون لغضب الرحمن وبأس الرحمن ، بلا شفاعة لهم من إيمان ولا عمل يستنزل رحمة الرحمن .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٞ لَّكُمۡ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِۚ إِنِ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} (20)

{ 20 - 21 } { أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ * أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ }

يقول تعالى للعتاة النافرين عن أمره ، المعرضين عن الحق : { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ } أي : ينصركم إذا أراد بكم الرحمن سوءًا ، فيدفعه عنكم ؟ أي : من الذي ينصركم على أعدائكم غير الرحمن ؟ فإنه تعالى هو الناصر المعز المذل ، وغيره من الخلق ، لو اجتمعوا على نصر عبد ، لم ينفعوه مثقال ذرة ، على أي عدو كان ، فاستمرار الكافرين على كفرهم ، بعد أن علموا أنه لا ينصرهم أحد من دون الرحمن ، غرور وسفه .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٞ لَّكُمۡ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِۚ إِنِ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} (20)

ولما كان التقدير تقريراً لذلك : فمن يدبر مصالحكم ظاهراً وباطناً ، وفعل هذه الأنواع من العذاب بالمكذبين من قبلكم ، عطف عليه قوله عائداً إلى الخطاب لأنه {[67011]}أقعد في التبكيت{[67012]} والتوبيخ ، وأدل على أن المخاطب ليس بأهل لأن يهاب ، مقرراً لأنه مختص بالملك : { أمن } ونبه على أن المدبر للأشياء لا بد أن يكون في غاية القرب والشهادة لها ، ليكون بصيراً برعيها ، ويكون مع مزيد قربه ، عالي الرتبة بحيث يشار إليه ، فقال مقرراً لعجز العباد : { هذا } بإشارة الحاضر { الذي } وأبرز العائد ، لأنه لا بد من إبرازه مع الاسم بعدم صلاحه لتحمل الضمير ، فقال : { هو جند } أي عسكر وعون ، وصرف القول عن الغيبة إلى الخطاب ، لأنه أبلغ في التقريع ، فقال : { لكم ينصركم } أي على من يقصدكم بالخسف والحصب وغيرهما ، ويجوز أن يكون التقدير : ألكم إله يدبر مصالحكم غيرنا ، أم كان الذي عذب من كذب الرسل سوانا ، أم لكم جند يصار إليه ينصركم دوننا ، كما قال تعالى :

{ أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا{[67013]} }[ الأنبياء : 43 ] ولكنه أخرجه مخرج الاستفهام عن تعيين الجند ، تعريفاً بأنهم لغاية جهلهم ، اعتقدوا{[67014]} أن لهم من أجناد{[67015]} الأرض أو السماء من ينصرهم ، وإلا لما كانوا آمنين .

ولما كانت المراتب متضائلة عن جنابه متكثرة جداً ، قال تعالى مشيراً بالحرف والظرف إلى ذلك ، منبهاً على ظهوره سبحانه فوق كل شيء ، لم يقدر أحد ولا يقدر أن ينازعه في ذلك ، ولا في أنه مستغرق لكل ما دونه من المراتب : { من دون الرحمن } إن{[67016]} أرسل عليكم{[67017]} عذابه ، وأظهر ولم يضمر بعثاً على استحضار ما له من شمول الرحمة{[67018]} ، وتلويحاً إلى التهديد{[67019]} بأنه لو قطعها عن{[67020]} أحد ممن أوجده ، عمه الغضب كله ، ولذلك قال مستنتجاً عنه تنبيهاً على أن {[67021]}رفع المضار وجمع المسار{[67022]} ليس إلا بيده ، لأنه المختص بالملك{[67023]} : { إن } أي ما ، وأبرز الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف{[67024]} ومواجهة بذلك ، لأنه أقعد {[67025]}في التوبيخ{[67026]} فقال : { الكافرون } أي العريقون في الكفر ، وهم من يموت عليه { إلا في غرور * } أي قد أحاط بهم فلا خلاص لهم منه ، وهو أنهم يعتمدون على غير معتمد .


[67011]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالتبكييت.
[67012]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالتبكييت.
[67013]:- من ظ وم، وفي الأصل: دونها.
[67014]:-زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[67015]:- من ظ وم، وفي الأصل: جند.
[67016]:- من ظ وم، وفي الأصل: أي.
[67017]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليهم.
[67018]:- من ظ وم، وفي الأصل: الرحمن.
[67019]:- من ظ وم، وفي الأصل: التشديد.
[67020]:-زيد من ظ وم.
[67021]:- من ظ وم، وفي الأصل: جميع المسار والمضار ليس لشيء منها .
[67022]:- من ظ وم، وفي الأصل: جميع المسار والمضار ليس لشيء منها .
[67023]:- زيد من ظ وم.
[67024]:- من ظ وم، وفي الأصل: للوصف.
[67025]:- من ظ وم، وفي الأصل: للتوبيخ.
[67026]:- من ظ وم، وفي الأصل: للتوبيخ.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَمَّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٞ لَّكُمۡ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ ٱلرَّحۡمَٰنِۚ إِنِ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} (20)

قوله تعالى : { أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمان إن الكافرون إلا في غرور 20 أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لّجّوا في عتو ونفور 21 أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صرط مستقيم 22 قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون 23 قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون 24 ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين 25 قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين 26 فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدّعون } .

يندد الله بالمشركين الخاطئين الساربين في الجهالة والضلالة ، إذ يرجون النصر والعون والرزق من غير الله . أولئك خاطئون متشبثون في الباطل ، موغلون في الوهم والغرور . فقال سبحانه : { أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمان } أم ، حرف عطف ، ومن ، في موضع رفع مبتدأ . وهذا مبتدأ ثان ، والذي خبره والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للمبتدأ الأول{[4591]} والاستفهام في الآية يراد به الإنكار والتوبيخ للمشركين الجاهلين ، الذين يظنون أن آلهتهم المزعومة ، تهرع لنجدتهم ونصرتهم إذا نزل بهم بلاء . والمعنى : من ذا الذي يستطيع من الخلق أن يدفع عنكم عذاب الله إن أحاط بكم . إنه ليس لكم أيها المشركون الضالون من جند ، أي حزب ومنعة ينصرونكم من بأس الله إن جاءكم .

قوله : { إن الكافرون إلا في غرور } يعني ما الكافرون إلا واهمين وقد غرهم الشيطان ، إذ سوّل لهم أن آلهتهم المزعومة تنصرهم من بأس الله وعذابه إن نزل بهم .


[4591]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 452.