في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (48)

46

وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك . إذن لارتاب المبطلون . .

وهكذا يتتبع القرآن الكريم مواضع شبهاتهم حتى الساذج الطفولي منها . فرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش بينهم فترة طويلة من حياته ، لا يقرأ ولا يكتب ؛ ثم جاءهم بهذا الكتاب العجيب الذي يعجز القارئين الكاتبين . ولربما كانت تكون لهم شبهة لو أنه كان من قبل قارئا كاتبا . فما شبهتهم وهذا ماضيه بينهم ?

ونقول : إنه يتتبع مواضع شبهاتهم حتى الساذج الطفولي منها . فحتى على فرض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارئا كاتبا ، ما جاز لهم أن يرتابوا . فهذا القرآن يشهد بذاته على أنه ليس من صنع البشر . فهو أكبر جدا من طاقة البشر ومعرفة البشر ، وآفاق البشر . والحق الذي فيه ذو طبيعة مطلقة كالحق الذي في هذا الكون . وكل وقفة أمام نصوصه توحي للقلب بأن وراءه قوة ، وبأن في عباراته سلطانا ، لا يصدران عن بشر !

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (48)

ومما يدل على صحته ، أنه جاء به هذا النبي الأمين ، الذي عرف قومه صدقه وأمانته ومدخله ومخرجه وسائر أحواله ، وهو لا يكتب بيده خطا ، ولا يقرأ خطا مكتوبا ، فإتيانه به في هذه الحال ، من أظهر البينات القاطعة ، التي لا تقبل الارتياب ، أنه من عند اللّه العزيز الحميد ، ولهذا قال : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو } أي : تقرأ { مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا } لو كنت بهذه الحال { لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } فقالوا : تعلمه من الكتب السابقة ، أو استنسخه منها ، فأما وقد نزل على قلبك ، كتابا جليلا ، تحديت به الفصحاء والبلغاء ، الأعداء الألداء ، أن يأتوا بمثله ، أو بسورة من مثله ، فعجزوا غاية العجز ، بل ولا حدثتهم أنفسهم بالمعارضة ، لعلمهم ببلاغته وفصاحته ، وأن كلام أحد من البشر ، لا يبلغ أن يكون مجاريا له أو على منواله ، ولهذا قال : { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ} (48)

ولما أشار إلى أن المنكر لأصل الوحي متوغل في الكفر ، دل على ذلك بحال المنزل إليه صلى الله عليه وسلم فقال مسلياً له : { وما } أي أنزلناه إليك والحال أنك ما { كنت تتلوا } أي تقرأ مواصلاً مواظباً في وقت ما .

ولما كان المراد نفي التلاوة عن كثير الزمن الماضي وقليله ، أدخل الجار فقال { من قبله } أي هذا الكتاب الذي أنزلناه إليك ؛ وأكد استغراق الكتب فقال : { من كتاب } أصلاً { ولا تخطه } أي تجدد وتلازم خطه ؛ وصور الخط وأكده بقوله : { بيمينك } أي التي هي أقوى الجارحتين ، وعبر بذلك إشارة إلى أنه لا تحدث الريبة في أمره لعاقل إلا بالمواظبة لمثل ذلك مواظبة قوية ينشأ عنها ملكة ، فكيف إذا لم يحصل أصل الفعل ، ولذلك قال : { إذاً } أي إذ لو كان شيء من هذه المواظبة في التلاوة أو الخط التي يحصل بها الدربة المورثة للملكة { لارتاب } أي لساغ أن تكلف أنفسهم الدخول في الريب أي الشك { المبطلون* } أي هؤلاء الذين ينكرون الوحي إليك من أهل الكتاب ومن العرب ، ويقولون : هو سجع وكهانة وشعر وأساطير الأولين ، العريقون في وصف الإبطال ، أي الدخول في الباطل ، فكانوا يجدون مطعناً ، فتقول العرب : لعله أخذه من كتب الأقدمين ، ويقول الكتابيون : المبشر به عندنا أمي . ولكنه لم يكن شيء من قراءة ولا خط كما هو معروف من حالك فضلاً عن المواظبة لشيء منهما ، فلا ريبة في صدقك في نسبته إلى الله تعالى ، وإذا انتفت الريبة من أصلها صح نفي ما عندهم منها ، لأنه لما لم يكن لهم في الواقع شبهة ، عدت ريبتهم عدماً ، وسموا مبطلين على تقدير هذه الشبهة ، لقيام بقية المعجزات القاطعة بالرسالة ، القاضية بالصدق ، كما قضت بصدق أنبيائهم مع أنهم يكتبون ويقرؤون ، وكتبهم لم تنزل للإعجاز ، فصح أنهم يلزمهم الاتصاف بالإبطال بالارتياب على كل تقدير من تقديري الكتابة والقراءة وعدمهما ، لأن العمدة على المعجزات .