ثم يزيدهم إيضاحاً لطبيعة القدرة الخالقة ، وصنعها فيما بين أيديهم وتحت أعينهم مما يملكون :
( الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ) . .
والمشاهدة الأولية الساذجة تقنع بصدق هذه العجيبة ! العجيبة التي يمرون عليها غافلين . عجيبة أن هذا الشجر الأخضر الريان بالماء ، يحتك بعضه ببعض فيولد ناراً ؛ ثم يصير هو وقود النار . بعد اللدونة والاخضرار . . والمعرفة العلمية العميقة لطبيعة الحرارة التي يختزنها الشجر الأخضر من الطاقة الشمسية التي يمتصها ، ويحتفظ بها وهو ريان بالماء ناضر بالخضرة ؛ والتي تولد النار عند الاحتكاك ، كما تولد النار عند الاحتراق . . هذه المعرفة العلمية تزيد العجيبة بروزاً في الحس ووضوحاً . والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه . والذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . غير أننا لا نرى الأشياء بهذه العين المفتوحة ولا نتدبرها بذلك الحس الواعي .
فلا تكشف لنا عن أسرارها المعجبة . ولا تدلنا على مبدع الوجود . ولو فتحنا لها قلوبنا لباحت لنا بأسرارها ، ولعشنا معها في عبادة دائمة وتسبيح !
ولما كان مآل هذا المثل الذي علق الإنكار فيه بالرميم استبعاد تمييز الشيء - إذا صار تراباً واختلط بالتراب - عن غيره من التراب ، وصف نفسه المقدس بإخراج الشيء الذي هو أخفى ما يكون من ضده ، وذلك بتمييز النار من الخشب الذي فيه الماء ظاهر بأيدي العجزة من خلقه ، فقال معيداً للوصول تنبيهاً على التذكير بالموصوف ليستحضر ما له من صفات الكمال فيبادر إلى الخضوع له من كان حياً : { الذي جعل لكم } أي متاعاً واستبصاراً { من الشجر الأخضر } الذي تشاهدون فيه الماء { ناراً } بأن يأخذ أحدكم غصنين كالسواكين وهما أخضران يقطر منهما الماء فيسحق المرخ - وهو ذكر - على العفار - وهو أنثى - فتخرج النار ! قال أبو حيان : وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ليس شجر إلا وفيه نار إلا العناب - انتهى .
ولذلك قالوا في المثل المشهور : في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار { فإذا أنتم } أي فيتسبب عن ذلك مفاجأتكم لأنكم { منه } أي الشجر الموصوف بالخضرة بعينه { توقدون * } أي توجدون الإيقاد ويتجدد لكم ذلك مرة بعد أخرى ، ما هو بخيال ولا سحر بل حقيقة ثابتة بينة ، وكأنه قدم الجار لكثرة إيقادهم منه ، إيقادهم من غيره لذلك ولعظمته عدماً .
ولما كان ذلك من غير كلفة عليهم ، قدم الجار تخصيصاً له وعداً لغيره كالمعدوم ، فالذي قدر على تمييز النار من الماء والخشب وخبء النار فيهما لا النار تعدو على الخشب فتحرقه ولا الماء يعدو على النار فيطفئها قادر على تمييز تراب العظام من تراب غيرها ، ونفخ الروح كما نفخ روح النار في الحطب المضاد له بالمائية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.