في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (21)

17

ومع هذا كله فقد تعرض داود للفتنة والابتلاء ؛ وكانت عين الله عليه لترعاه وتقود خطاه ، وكانت يد الله معه تكشف له ضعفه وخطأه ، وتوقيه خطر الطريق وتعلمه كيف يتوقاه :

( وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ? إذ دخلوا على داود ففزع منهم . قالوا : لا تخف . خصمان بغى بعضنا على بعض . فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط . واهدنا إلى سواء الصراط . إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ، فقال : أكفلنيها ، وعزني في الخطاب . قال : لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ، وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات - وقليل ما هم - وظن داود أنما فتناه . فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب ) . .

وبيان هذه الفتنة أن داود النبي الملك ، كان يخصص بعض وقته للتصرف في شؤون الملك ، وللقضاء بين الناس . ويخصص البعض الآخر للخلوة والعبادة وترتيل أناشيده تسبيحاً لله في المحراب . وكان إذا دخل المحراب للعبادة والخلوة لم يدخل إليه أحد حتى يخرج هو إلى الناس .

وفي ذات يوم فوجى ء بشخصين يتسوران المحراب المغلق عليه . ففزع منهم . فما يتسور المحراب هكذا مؤمن ولا أمين ! فبادرا يطمئنانه . ( قالوا : لا تخف . خصمان بغى بعضنا على بعض ) . وجئنا للتقاضي أمامك ( فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ) . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (21)

لما ذكر تعالى أنه آتى نبيه داود الفصل في الخطاب بين الناس ، وكان معروفا بذلك مقصودا ، ذكر تعالى نبأ خصمين اختصما عنده في قضية جعلهما اللّه فتنة لداود ، وموعظة لخلل ارتكبه ، فتاب اللّه عليه ، وغفر له ، وقيض له هذه القضية ، فقال لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ } فإنه نبأ عجيب { إِذْ تَسَوَّرُوا } على داود { الْمِحْرَابَ } أي : محل عبادته من غير إذن ولا استئذان ، ولم يدخلوا عليه مع باب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ} (21)

ولما كان السياق للتدريب على الصبر والتثبيت الشافي والتدبر التام والابتلاء لأهل القرب ، وكان المظنون بمن أوتي فصل الخطاب أن لا يقع له لبس في حكم ولا عجلة في أمر ، وكان التقدير : هل أتتك هذه الأنباء ، عطف عليه - مبيناً عواقب العجلة معلماً أن على من أعطى المعارف أن لا يزال ناظراً إلى من أعطاه ذلك سائلاً له التفهيم ، استعجازاً لنفسه متصوراً لمقام العبودية التي كرر التنبيه عليها في هذه السورة بنحو قوله : " نعم العبد " قوله في سياق ظاهره الاستفهام وباطنه التنبيه على ما في ذلك من الغرابة والعجب لتعظم الرغبة في سماعه فيوغي حق الوعي ( وهل اتاك نبأ الخصم ) أي خبره العظيم جداً ، وأفرده وإن كان المراد الجمع دلالة على أنهم على كلمة واحدة في إظهار الخصومة لا يظهر لأحد منهم أنه متوسط مثلاً ونحو ذلك .

ولما كان الخصم مصدراً يقع على الواحد فما فوقه ذكراً كان أو أنثى ، وكان يصح تسمية ربقة المتخاصمين خصماً لأنهم في صورة الخصم قال : { إذا } أي خبر تخاصمهم حين { تسوروا } أي صعدوا السور ونزلوا من هم ومن معهم ، آخذاً من السور وهو الوثوب { المحراب * } أي أشرف ما في موضع العبادة الذي كان داود عليه السلام به ، وهو كناية عن أنهم جاؤوه في يوم العبادة ومن غير الباب ، فخالفوا عادة الناس في الأمرين ،