( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ، ويحيي الأرض بعد موتها . . وكذلك تخرجون ) . .
( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها ) . . تلك العملية الدائبة التي لا تكف ولا تني لحظة واحدة من لحظات الليل والنهار في كل مكان ، على سطح الأرض ، وفي أجواز الفضاء ، وفي أعماق البحار . . ففي كل لحظة يتم هذا التحول . بل هذه المعجزة الخارقة التي لا ننتبه إليها لطول الألفة والتكرار . في كل لحظة يخرج حي من ميت ويخرج ميت من حي . وفي كل لحظة يتحرك برعم ساكن من جوف حبة أو نواة فيفلقها ويخرج إلى وجه الحياة ؛ وفي كل لحظة يجف عود أو شجرة تستوفي أجلها فتتحول إلى هشيم أو حطام . ومن خلال الهشيم والحطام توجد الحبة الجديدة الساكنة المتهيئة للحياة والإنبات ؛ ويوجد الغاز الذي ينطلق في الجو أو تتغذى به التربة ، وتستعد للإخصاب . وفي كل لحظة تدب الحياة في جنين . إنسان أو حيوان أو طائر . والجثة التي ترمى في الأرض وتختلط بالتربة وتشحنها بالغازات هي مادة جديدة للحياة وغذاء جديد للنبات ، فالحيوان والإنسان ! ومثل هذا يتم في أغوار البحار وفي أجواز الفضاء على السواء .
إنها دورة دائبة عجيبة رهيبة لمن يتأملها بالحس الواعي والقلب البصير ، ويراها على هدى القرآن ونوره المستمد من نور الله .
( وكذلك تخرجون ) . . فالأمر عادي واقعي لا غرابة فيه وليس بدعا مما يشهده الكون في كل لحظة من لحظات الليل والنهار في كل مكان !
{ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } كما يخرج النبات من الأرض الميتة والسنبلة من الحبة والشجرة من النواة والفرخ من البيضة والمؤمن من الكافر ، ونحو ذلك .
{ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ } بعكس المذكور { وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فينزل عليها المطر وهي ميتة هامدة فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج { وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } من قبوركم .
فهذا دليل قاطع وبرهان ساطع أن الذي أحيا الأرض بعد موتها فإنه يحيي الأموات ، فلا فرق في نظر العقل بين الأمرين ولا موجب لاستبعاد أحدهما مع مشاهدة الآخر .
بين كمال قدرته ، أي كما أحيا الأرض بإخراج النبات بعد همودها ، كذلك يحييكم بالبعث . وفي هذا دليل على صحة القياس ، وقد مضى في " آل عمران " بيان " تخرج الحي من الميت " {[12458]} [ آل عمران : 27 ] .
ولما ذكر دلالة على البعث المستلزم للوحدانية مطلق التحويل الذي هو إحياء في المعنى بعد إماتة ، أتبعه الإحياء والإماتة حقيقة ، صادعاً من ذكر البعث تصريحاً بما كان ألقاه تلويحاً فقال : { يخرج الحي } كالإنسان والطائر { من الميت } كالنطفة والبيضة { ويخرج الميت } كالبيضة والنطفة { من الحي } {[52792]}عكس ذلك { ويحيي الأرض } باخضرار النبات .
ولما كان من الأراضي ما لا ينبت إلا بعد مدة من إنزال المطر ، ومنها ما ينبت من حين إنزال المطر عقب تحطم ما كان بها{[52793]} من النبات سواء ، أسقط الجار هنا تنبيهاً على الأمر الثاني لأنه أدل على القدرة ، فهو
أنسب لهذا السياق ولمقصود السورة ، ولأنه جعل{[52794]} فيه قوة إحيائها على الدوام فقال : { بعد موتها } {[52795]}بيبسه وتهشمه{[52796]} . ولما كان التقدير : كذلك يفعل{[52797]} على سبيل التكرر وأنتم تنظرون ، عطف عليه قوله : { وكذلك } أي ومثل فعله هذا الفعل البديع من إخراجه لهذا الحي حساً ومعنى من الميت { تخرجون } بأيسر أمر من الأرض{[52798]} بعد تفرق أجسامكم فيها من التراب الذي كان حياً بحياتكم - هذا على قراءة الجماعة{[52799]} بالبناء للمفعول . وبناه حمزة والكسائي وابن ذكوان بخلاف عنه للفاعل إشارة إلى أنهم لقوة تهيئهم{[52800]} لقبول البعث صاروا كأنهم يخرجون بأنفسهم{[52801]} - روى{[52802]} عبد الله ابن الإمام أحمد في زيادات المسند عن لقيط بن عامر رضي الله عنه أنه خرج وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له يقال له نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق رضي الله عنه ، قال : فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لانسلاخ رجب ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة فقام في الغداة خطيباً إلى أن قال : " ألا اسمعوا تعيشوا ألا اجلسوا ألا اجلسوا ، قال{[52803]} : فجلس الناس فقمت أنا وصاحبي حتى{[52804]} إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت{[52805]} : يا رسول الله ! ما عندك من علم الغيب ، فضحك {[52806]}لعمر الله{[52807]} وهز رأسه فقال : ضن ربك بمفاتيح الخمس من الغيب فذكره حتى ذكر البعث قال : فقلت : يا رسول الله ، كيف يجمعنا بعد ما تفرقنا{[52808]} الرياح والبلى والسباع ؟ قال : أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، الأرض أشرفت عليها {[52809]}وهي مدرة بالية فقلت : لا تحيا أبداً ، ثم أرسل ربك عز وجل عليها السماء فلم تلبث عليك إلا أياماً حتى أشرفت{[52810]} عليها{[52811]} وهي شرفة واحدة ، ولعمر إلهك لهو{[52812]} أقدر على أن يجمعكم من الماء{[52813]} كما أنه يجمع نبات الأرض فتخرجون " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.