( ويطعمون الطعام - على حبه - مسكينا ويتيما وأسيرا ) . .
وهي تصور شعور البر والعطف والخير ممثلا في إطعام الطعام ، مع حبه بسبب الحاجة إليه . فمثل هذه القلوب لا يقال عنها : إنها تحب الطعام الذي تطعمه للضعاف المحاويج على اختلاف أنواعهم . إلا أن تكون في حاجة هي إلى هذا الطعام ، ولكنها تؤثر به المحاويج .
وهذه اللفتة تشي بقسوة البيئة في مكة بين المشركين ؛ وأنها كانت لا تفضي بشيء للمحاويج الضعاف ؛ وإن كانت تبذل في مجالات المفاخرة الشيء الكثير . فأما الأبرار عباد الله فكانوا واحة ظليلة في هذه الهاجرة الشحيحة . وكانوا يطعمون الطعام بأريحية نفس ، ورحمة قلب ، وخلوص نية . واتجاه إلى الله بالعمل ، يحكيه السياق من حالهم ، ومن منطوق قلوبهم .
ولما كان من خاف شيئاً سعى في الأمن منه بكل{[70594]} ما عساه ينفع فيه-{[70595]} ، وكان قد ذكر تذرعهم{[70596]} بالواجب ، أتبعه المندوب دلالة على أنهم لا ركون لهم إلى الدنيا ولا وثوق{[70597]} بها ، فقد جمعوا إلى كرم الطبع بالوفاء ورقة القلب شرف النفس بالانسلاخ من الفاني فقال : { ويطعمون الطعام } أي على حسب ما يتيسر لهم من عال ودون على الدوام . ولما كان الإنسان قد يسمح بما لا يلذ له قال : { على حبه } أي حبه إياه حباً هو في غاية المكنة منهم-{[70598]} والاستعلاء على قلوبهم لقلته وشهوتهم له-{[70599]} وحاجتهم إليه كما قال تعالى :
{ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون }[ آل عمران : 92 ] ليفهم أنهم للفضل أشد بذلاً ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم{[70600]} : " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم أي الصحابة رضي الله عنهم - ولا نصيفه " لقلة الموجود إذ ذاك وكثرته{[70601]} بعد { مسكيناً } أي محتاجاً احتياجاً يسيراً ، فصاحب الاحتياج الكثير أولى { ويتيماً } أي صغيراً لا أب له ذكراً كان أو أنثى { وأسيراً * } أي في أيدي{[70602]} الكفار أي أعم من ذلك ، فيدخل فيه المملوك والمسجون والكافر الذي في أيدي المسلمين ، وقد نقل في غزوة بدر أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يؤثر أسيره على نفسه بالخبز{[70603]} ، وكان الخبز إذ ذاك عزيزاً حتى كان ذلك-{[70604]} الأسير يعجب من مكارمهم{[70605]} حتى كان ذلك مما دعاه إلى الإسلام ، وذلك لأن{[70606]} النبي صلى الله عليه وسلم لما دفعهم إليهم قال : " استوصوا بهم خيراً " ومن حكم الأسير الحقيقي كل مضرور{[70607]} يفعلون ذلك والحال أنهم يقولون بلسان الحال أو القال{[70608]} إن احتيج إليه إزاحة لتوهم المن أو توقع{[70609]} المكافأة مؤكدين إشارة إلى أن الإخلاص أمر عزيز لا يكاد أحد يصدق أنه يتأتى لأحد :
قوله : { ويطعمون الطعام على حبّه } يعني يطعمون المحاويج والعالة { على حبه } أي على قلته وحبهم إياه وحاجتهم له .
قوله : { مسكينا ويتيما وأسيرا } أما المسكين فقد ذكر في حقيقته جملة أقوال ، منها : أنه الذي لا شيء له فهو بذلك أسوأ حالا من الفقير . وقيل : المسكين والفقير بمعنى . فهما في القلة وسوء الحال سواء . وقيل غير ذلك .
وأما اليتيم ، فهو الطفل الذي مات أبوه ولا شيء له .
وأما الأسير ، فهو المأسور من أهل الشرك لدى المسلمين ، فإنه يجب الإحسان إليه . ويشهد لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر بتكريم الأسارى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء . وقيل : المراد بهم العبيد أو الأرقاء فقد وصّى النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إليهم . فقد روي أن آخر ما وصّى به النبي صلى الله عليه وسلم كان قوله : " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " . والأخبار في وجوب الإحسان إلى الأرقاء كثيرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.