في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (77)

56

وأمام هذا المشهد . مشهد الذل والمهانة والعذاب الرعيب . وعاقبة الجدال في آيات الله ، والكبر النافخ في الصدور . . أمام هذا المشهد وهذه العاقبة يتجه السياق إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يوصيه بالصبر على ما يجده من كبر ومن جدال ، والثقة بوعد الله الحق على كل حال . سواء أراه الله بعض الذي يعدهم في حياته ، أو قبضه إليه وتولى الأمر عنه . فالقضية كلها راجعة إلى الله ، وليس على الرسول إلا البلاغ ، وهم إليه راجعون :

( فاصبر إن وعد الله حق . فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون ) . .

وهنا نقف أمام لفتة تستحق التدبر العميق . إن هذا الرسول الذي يلاقي ما يلاقي من الأذى والتكذيب والكبر والكنود ، يقال له ما مفهومه : أد واجبك وقف عنده . فأما النتائج فليست من أمرك . حتى شفاء صدره بأن يشهد تحقق بعض وعيد الله للمتكبرين المكذبين ليس له أن يعلق به قلبه ! إنه يعمل وكفى . يؤدي واجبه ويمضي . فالأمر ليس أمره . والقضية ليست قضيته . إن الأمر كله لله . والله يفعل به ما يريد .

يا لله ! يا للمرتقى العالي . ويا للأدب الكامل . الذي يأخذ الله به أصحاب هذه الدعوة . في شخص رسوله الكريم .

وإنه لأمر شاق على النفس البشرية . أمر يحتاج إلى الصبر على أشواق القلب البشري العنيفة . ألعله من أجل هذا كان التوجيه إلى الصبر في هذا الموضع من السورة . فلم يكن هذا تكراراً للأمر الذي سبق فيها . إنما كان توجيهاً إلى صبر من لون جديد . ربما كان أشق من الصبر على الإيذاء والكبر والتكذيب ? !

إن احتجاز النفس البشرية عن الرغبة في أن ترى كيف يأخذ الله أعداءه وأعداء دعوته ، بينما يقع عليها العداء والخصومة من أولئك الأعداء ، أمر شديد على النفس صعيب . ولكنه الأدب الإلهي العالي ، والإعداد الإلهي لأصفيائه المختارين ، وتخليص النفس المختارة من كل شيء لها فيه أرب ، حتى ولو كان هذا الأرب هو الانتصار من أعداء هذا الدين !

ولمثل هذه اللفتة العميقة ينبغي أن تتوجه قلوب الدعاة إلى الله في كل حين . فهذا هو حزام النجاة في خضم الرغائب ، التي تبدو بريئة في أول الأمر ، ثم يخوض فيها الشيطان بعد ذلك ويعوم !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (77)

الصبر والتصبّر .

{ فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون 77ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون 78 }

المفردات :

حق : كائن لا محالة .

بعض الذي نعدهم : بعض الذي نعدهم من العذاب بالقتل أو الأسر لهم في حياتك ، وجواب الشرط تقديره : فذاك .

أو نتوفينك : أي : نميتك قبل تعذيبهم .

فإلينا يرجعون : فإلينا وحدنا يُرجعون يوم القيامة ، فنجازهم بأعمالهم .

التفسير :

77- { فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون } .

ناقش القرآن أهل مكة طويلا فيما سبق ، وكانوا يتقولون على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويتربصون به الموت أملا في التخلص منه ، وهنا يحث القرآن الرسول صلى الله عليه وسلم على الصبر الجميل ، مؤكدا أن وعد الله حق ، بِنَصر الرسل والمؤمنين في حياتهم أو بعد وفاتهم ، وكان القرآن الكريم يشير إلى أن الرسول له غاية وهدف وهو البلاغ ، أما الهداية أو النصر فذلك في مشيئة الله وحكمته .

ومقصود الآية كالآتي :

اصبر أيها الرسول على إيذاء المشركين واثقا بالنصر ، سواء وجدت ذلك في حياتك كالنصر عليهم يوم بدر ، أي إذا أريناك النصر في حياتك فبها ونعمت ، وإذا توفيناك قبل تحقيق النصر فلا تحزن ، فإن مصيرهم إلينا ، وسيلقون الجزاء كاملا بيد الإله العادل ، ولا يظلم ربك أحدا ، وهو سبحانه مالك يوم الدين ، وبيده الجزاء العادل في ذلك اليوم ، وإلى الله وحده يُرجعون .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ} (77)

{ فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله } بتعذيب أعدائك الكفرة { حَقّ } كائن لا محالة { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ } أصله فإن نرك فزيدت { مَا } لتوكيد { ءانٍ } الشرطية ولذلك جاز أن يلحق الفعل نون التوكيد على ما قيل : وإلى التلازم بين ما ونون التوكيد بعد أن الشرطية ذهب المبرد . والزجاج فلا يجوز عندهما زيادة ما بدون إلحاق نون ولا إلحاق نون بدون زيادة ما ورد بقوله

: فإما تريني ولي لمة *** فإن الحوادث أودي بها

ونسب أبو حيان على كلام فيه جواز الأمرين إلى سيبويه والغالب أن إن إذا أكدت بما يلحق الفعل بعدها نون التوكيد على ما نص عليه غير واحد { بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ } وهو القتل والأسر { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قبل ذلك { فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يوم القيامة فنجازيهم بأعمالهم ، وهو جواب { نَتَوَفَّيَنَّكَ } وجواب { نُرِيَنَّكَ } محذوف مثل فذاك ، وجوز أن يكون جواباً لهما على معنى أن نعذبهم في حياتك أو لم نعذبهم فإنا نعذبهم في الآخرة أشد العذاب ويدل على شدته الاقتصار على ذكر الرجوع في هذا المعرض . والزمخشري آثر في الآية هنا ما ذكر أولاً وذكر في الرعد في نظيرها أعني قوله تعالى : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ } [ الرعد : 40 ] ما يدل على أن الجملة المقرونة بالفاء جواب على التقديرين ، قال في «الكشف » : والفرق أن قوله تعالى : { فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } عدة للإنجاز والنصر وهو الذي همه عليه الصلاة والسلام وهم المؤمنين معقود به لمقتضى هذا السياق فينبغي أن يقدر فذاك هناك ثم جىء بالتقدير الثاني رداً لشماتتهم وإنه منصور على كل حال وإتماماً للتسلي ، وأما مساق التي في الرعد فلا يجاب التبليغ وإنه ليس عليه غير ذلك كيفما دارت القضية ، فمن ذهب إلى إلحاق ما هنا بما في الرعد ذهب عنه مغزى الزمخشري انتهى فتأمل ولا تغفل .

وقرأ أبو عبد الرحمن . ويعقوب { يَرْجِعُونَ } بفتح الياء ، وطلحة بن مصرف . ويعقوب في رواية الوليد بن حسان بفتح تاء الخطاب .