وأمام مشهد المجرمين البائس الذليل ؛ ومشهد المؤمنين الناعم الكريم ، يعقب بتلخيص مبدأ الجزاء العادل ، الذي يفرق بين المسيئين والمحسنين في الدنيا أو الآخرة ؛ والذي يعلق الجزاء بالعمل ، على أساس العدل الدقيق :
( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ؟ لا يستوون . أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون . وأما الذين فسقوا فمأواهم النار . كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها ، وقيل لهم : ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون . ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون . ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها ? إنا من المجرمين منتقمون ) . .
وما يستوي المؤمنون والفاسقون في طبيعة ولا شعور ولا سلوك ، حتى يستووا في الجزاء في الدنيا وفي الآخرة سواء . والمؤمنون مستقيمو الفطرة متجهون إلى الله ، عاملون على منهاجه القويم . والفاسقون منحرفون شاردون مفسدون في الأرض لا يستقيمون على الطريق الواصل المتفق مع نهج الله للحياة ، وقانونه الأصيل . فلا عجب إذن أن يختلف طريق المؤمنين والفاسقين في الآخرة ، وأن يلقى كل منهما الجزاء الذي يناسب رصيده وما قدمت يداه .
{ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون( 18 ) أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون( 19 ) وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون( 20 ) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون( 21 ) ومن أظلم ممن ذكر بئايات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون( 22 ) }
مؤمنا : مصدقا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .
فاسقا : كافرا خارجا من الإيمان وأحكام الشرع فهو أعم من الكفر وأصل الفسق الخروج يقال : فسقت الثمرة إذا خرجت من قشرها .
{ أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون . . }
استفهام موجه لكل من يتأتى منه الخطاب فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أي : أيستوي المؤمن الصالح المستقيم المطيع لربه المؤمن برسوله الملتزم بأصول دينه والفاسق الذي خرج على هدى السماء وكذب بالرسول واجترا على معصية الله ؟ .
{ لا يستوون . . . . } أي : لم يستويا في الدنيا من ناحية العمل والسلوك والاعتقاد فليس من المناسب أن يستويا في الآخرة من ناحية الجزاء والثواب والعقاب .
قال تعالى : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون . ( الجاثية : 21 ) .
وقال تعالى : لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون . ( الحشر : 20 ) .
وقال سبحانه وتعالى : أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم تجعل المتقين كالفجار . ( ص : 28 ) .
وتتلاقى هذه الآيات على تأكيد عدالة السماء وأن الله سبحانه وتعالى لا يسوي في الجزاء بين المؤمن المستقيم البار الذي يعمل الصالحات والفاسق المنحرف الذي يعمل السيئات لقد اختلفا في العمل فوجب أن يختلفا في الجزاء .
قوله تعالى : { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ ( 18 ) أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 19 ) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ( 20 ) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 21 ) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ( 22 ) } .
ذلك إخبار من الله ، يصف فيه عدله المطلق في قضائه بين العباد ؛ فإنه سبحانه لا يساوي في حكمه يوم القيامة مَن آمن به وصدق بآياته وأيقن بأحقيّة ما أنزله من منهج حكيم قويم ، بمن كان في دنياه فاسقا أي خارجا عن طاعته عاصيا لأمره ؛ مكذبا بما أنزل على رسوله . وهو قوله : { لاَ يَسْتَوُونَ } لا يستوي المؤمن والفاسق في الجزاء والشرف والمصير .
وقد قيل : إن هذه الآيات نزلت في الصحابي الأجلِّ ، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وارث الشرف والعلم والتُّقى ، علي بن أبي طالب ، وفي عدو الله ، الشقي الخصيم ، والعاتي اللئيم ، عقبة بن أبي معيط . لا جرم أنها لا يستويان . فأولهما مؤمن صدوق كريم ، وثانيهما خبيث وعتلٌّ وأثيم .
على أن الآية تنسحب في معناها ومقتضاها على الصنفين من الناس في كل زمان ، وهما صنفان متباينان مفترقان ؛ فصنف مؤمن موقن بحقيقة ما أنزل الله على النبيين ، والآخر فاسق عن أمر الله ، منقلب على وجهه انقلاب التاعسين الخاسرين الهلكى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.