هذا المطلع جاء في صيغة القسم ، على أمر تصوره الآيات التالية في السورة :
يوم ترجف الراجفة . تتبعها الرادفة . قلوب يومئذ واجفة . أبصارها خاشعة . يقولون : أإنا لمردودون في الحافرة ? أإذا كنا عظاما نخرة ? قالوا : تلك إذن كرة خاسرة ! . . فإنما هي زجرة واحدة . فإذا هم بالساهرة . .
والراجفة ورد أنها الأرض استنادا إلى قوله تعالى في سورة أخرى : ( يوم ترجف الأرض والجبال ) . .
يوم ترجف الراجفة : يوم تضطرب الأجرام بالصيحة الهائلة ، وهي النفخة الأولى التي تصعق الخلائق عندها وتموت .
تتبعها الرادفة : نفخة البعث التي يقوم فيها الناس للحساب والجزاء ، وهي تردف الأولى وتأتي بعدها .
6 ، 7- يوم ترجف الرّاجفة* تتبعها الرّادفة .
جواب القسم محذوف دلّت عليه هاتان الآيتان ، والتقدير : لتعبثن يوم القيامة .
والرّاجفة . هي النفخة الأولى ، حين ينفخ إسرافيل في الصور ، فيصعق من في السماوات والأرض ، حيث تضطرب الجبال ، وتقلع من أماكنها ، وتسيّر وتصير هباء منبثا ، ويضطرب نظام الكون ، ويهتزّ اهتزازا شديدا ، ويرتجف عند النفخة الأولى وهي الراجفة ، حيث تموت الخلائق ، ويصعق من في السماوات والأرض صعقا شديدا ، ويستمرون أربعين سنة ، ويتبع ذلك ، الرّادفة . التي تردف الراجفة ، وتأتي بعدها ، وهي نفخة البعث والقيام للحساب .
قال تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون . ( الزمر : 28 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
وهي النفخة الأولى، وإنما سميت الراجفة لأنها تميت الخلق كلهم، كقوله: {فأخذتهم الرجفة} [الأعراف:78] يعني الموت...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ "يقول تعالى ذكره: يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالجِبَالُ للنفخة الأولى.
"تَتْبَعُها الرّادِفَةُ" تتبعها أخرى بعدها، وهي النفخة الثانية التي رَدِفَتِ الأولى، لبعث يوم القيامة... عن الحسن، قوله: "يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ" قال: هما النفختان: أما الأولى فتَميت الأحياء، وأما الثانية فتُحيي الموتى ثم تلا الحسن: "ونُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فإذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ"...
وقال آخرون... عن مجاهد، في قول الله: "يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ" قال: ترجف الأرض والجبال، وهي الزلزلة.
وقوله: "الرّادِفَةُ" قال: هو قوله: "إذَا السّماءُ انْشَقّتْ" "فدُكتا دَكةً واحدة".
وقال آخرون: ترجف الأرض، والرادفة: الساعة...
واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله: "والنّازِعات غَرْقا" فقال بعضُ نحويّي البصرة: قوله "والنّازِعاتِ غَرْقا": قسم والله أعلم على "إنّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشَى" وإن شئت جعلتها على "يَوْم تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ" وهو كما قال الله وشاء أن يكون في كل هذا، وفي كلّ الأمور.
وقال بعض نحويّي الكُوفة: جواب القسم في النازعات: ما تُرِك، لمعرفة السامعين بالمعنى، كأنه لو ظهر كان لَتُبْعَثُنّ ولتحاسبنّ قال: ويدل على ذلك "أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً" ألا ترى أنه كالجواب لقوله: لَتُبْعَثُنّ إذ قال: أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً...
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن جواب القسم في هذا الموضع، مما استغني عنه بدلالة الكلام، فتُرك ذكره.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم بين أي وقت يكون الجزاء والثواب والعقاب، فقال (يوم ترجف الراجفة) فالرجف: حركة الشيء من تحت غيره بترديد واضطراب، وهي الزلزلة العظيمة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
و {الراجفة} الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال، وهي النفخة الأولى: وصفت بما يحدث بحدوثها...
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :
و {الراجفة} صيحة عظيمة فيها تردد واضطراب كالرعد إذا تمحض...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة {يوم ترجف الراجفة} إلى {خاشعة} جوابُ القسم وصريحُ الكلام موعظة. والمقصود منه لازمه وهو وقوع البعث لأن القلوب لا تكون إلا في أجسام. وقد علم أن المراد ب {يوم ترجف الراجفة} هو يوم القيامة لأنه قد عُرِّف بمثل هذه الأحوال في آيات كثيرة مما سبق نزوله مثل قوله: {إذا رجت الأرض} فكان في هذا الجواب تهويل ليوم البعث وفي طيه تحقيق وقوعه فحصل إيجاز في الكلام جامع بين الإِنذار بوقوعه والتحذير مما يجري فيه. و {يوم ترجف الراجفة} ظرف متعلق ب {واجفة} فآل إلى أن المقسم عليه المراد تحقيقه هو وقوع البعث بأسلوب أوقع في نفوس السامعين المنكرين من أسلوب التصريح بجواب القسم، إذ دل على المقسم عليه بعض أحواله التي هي من أهواله فكان في جواب القسم إنذار. ولم تقرن جملة الجواب بلام جواب القسم لبعد ما بين الجواب وبين القسم بطول جملة القسم...
وجعل صاحب « الكشاف» تبعاً للفراء وغيره جواب القسم محذوفاً تقديره: لتُبعثُنَّ. وقُدم الظرف على متعلقة لأن ذلك الظرف هو الأهمّ في جواب القَسَم لأنه المقصود إثبات وقوعه، فتقديم الظرف للاهتمام به والعناية به فإنه لما أكد الكلام بالقسم شمل التأكيدُ متعلقات الخبر التي منها ذلك الظرف، والتأكيد اهتمام، ثم أكد ذلك الظرف في الأثناء بقوله: {يومئذ} الذي هو يوم ترجف الراجفة فحصلت عناية عظيمة بهذا الخبر. والرجف: الاضطراب والاهتزاز وفعله من باب نصَر. وظاهر كلام أهل اللغة أنه فعل قاصر ولم أر من قال: إنه يستعمل متعدياً، فلذلك يجوز أن يكون إسناد {ترجف} إلى {الراجفة} حقيقياً، فالمراد ب {الراجفة}: الأرض لأنها تضطّرب وتهتزّ بالزلازل التي تحصل عند فناء العالم الدنيوي والمصير إلى العالم الأخروي...
و " ترجف " أي تضطرب . والراجفة : أي المضطربة كذا قال عبد الرحمن بن زيد . قال : هي الأرض ، والرادفة الساعة . مجاهد : الراجفة الزلزلة " تتبعها الرادفة " الصيحة . وعنه أيضا وابن عباس والحسن وقتادة : هما الصيحتان . أي النفختان . أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله تعالى ، وأما الثانية فتحيي كل شيء بإذن الله تعالى . وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بينهما أربعون سنة ) وقال مجاهد أيضا : الرادفة حين تنشق السماء وتحمل الأرض والجبال فتدك دكة واحدة ، وذلك بعد الزلزلة .
وقيل : الراجفة تحرك الأرض ، والرادفة زلزلة أخرى تفني الأرضين " . فالله أعلم . وقد مضى في آخر " النمل " {[15768]} ما فيه كفاية في النفخ في الصور . وأصل الرجفة الحركة ، قال الله تعالى : " يوم ترجف الأرض " وليست الرجفة ههنا من الحركة فقط ، بل من قولهم : رجف الرعد يرجف رجفا ورجيفا : أي أظهر الصوت والحركة ، ومنه سميت الأراجيف ، لاضطراب الأصوات بها ، وإفاضة الناس فيها ، قال :
أبالأراجيف يا ابنَ اللُّؤْمِ تُوعدني *** وفي الأراجيف خلتُ اللؤمَ والخَوَرَا{[15769]}
وعن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب ربع الليل قام ثم قال : ( يا أيها الناس أذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ) .
{ يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } قيل : الراجفة النفخة الأولى في الصور والرادفة النفخة الثانية لأنها تتبعها ولذلك سماها رادفة من قولك : ردفت الشيء إذا تبعته ، وفي الحديث أن بينهما أربعين عاما ، وقيل : الراجفة الموت والرادفة القيامة ، وقيل : الراجفة الأرض ، من قوله : { ترجف الأرض والجبال } [ المزمل : 14 ] والرادفة السماء لأنها تنشق يومئذ والعامل في يوم ترجف محذوف وهو الجواب المقدر تقديره لتبعثن يوم ترجف الراجفة وإن جعلنا يوم ترجف الجواب فالعامل في يوم معنى قوله : { قلوب يومئذ واجفة } وقوله { تتبعها الرادفة } في موضع الحال ويحتمل أن يكون العامل فيه تتبعها .
ولما أقسم على القيام بتلك الأفعال العظام التي ما أقدر أهلها عليها إلا الملك العلام . ذكر ما يكون فيه من الأعلام تهويلاً لأمر الساعة لأن النفوس المحسوسات نزاعة ، فالغائبات{[71322]} عندها منسية مضاعة{[71323]} فقال ناصباً الظرف بذلك المحذوف لأنه لشدة وضوحه كالملفوظ به-{[71324]} : { يوم ترجف } أي تضطرب اضطراباً كبيراً مزعجاً { الراجفة * } أي الصيحة ، وهي النفخة الأولى التي هي بحيث يبلغ - من شدة إرجافها للقلوب{[71325]} وجميع الأشياء الساكنة{[71326]} من الأرض والجبال إلى{[71327]} نزع النفوس من جميع أهل-{[71328]} الأرض - مبلغاً تستحق به أن توصف بالعراقة {[71329]}في الرجف{[71330]} ، قال البغوي{[71331]} : وأصل الرجفة الصوت والحركة .