في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ} (27)

17

وعند تقرير مبدأ الحق في خلافة الأرض ، وفي الحكم بين الناس . . وقبل أن تمضي قصة داود إلى نهايتها في السياق . . يرد هذا الحق إلى أصله الكبير . أصله الذي تقوم عليه السماء والأرض وما بينهما . أصله العريق في كيان هذا الكون كله . وهو أشمل من خلافة الأرض ، ومن الحكم بين الناس . وهو أكبر من هذه الأرض . كما أنه أبعد مدى من الحياة الدنيا . إذ يتناول صميم الكون كما يتناول الحياة الآخرة . ومنه وعليه جاءت الرسالة الأخيرة ، وجاء الكتاب المفسر لذلك الحق الشامل الكبير :

وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً . ذلك ظن الذين كفروا . فويل للذين كفروا من النار . أن نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ? أن نجعل المتقين كالفجار ? كتاب أنزلناه إليك مبارك ، ليدبروا آياته ، وليتذكر أولو الألباب . .

وهكذا : في هذه الآيات الثلاث ، تتقرر تلك الحقيقة الضخمة الهائلة الشاملة الدقيقة العميقة . بكل جوانبها وفروعها وحلقاتها . .

إن خلق السماء والأرض وما بينهما لم يكن باطلاً ، ولم يقم على الباطل . إنما كان حقاً وقام على الحق . ومن هذا الحق الكبير تتفرع سائر الحقوق . الحق في خلافة الأرض . والحق في الحكم بين الخلق . والحق في تقويم مشاعر الناس وأعمالهم ؛ فلا يكون الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ؛ ولا يكون وزن المتقين كوزن الفجار . والحق الذي جاء به الكتاب المبارك الذي أنزله الله ليتدبروا آياته وليتذكر أصحاب العقول ما ينبغي أن يتذكروه من هذه الحقائق الأصيلة ، التي لا يتصورها الكافرون ، لأن فطرتهم لا تتصل بالحق الأصيل في بناء هذا الكون ، ومن ثم يسوء ظنهم بربهم ولا يدركون من أصالة الحق شيئاً . . ( ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) . .

إن شريعة الله للناس طرف من ناموسه في خلق الكون . وإن كتابه المنزل بيان للحق الذي يقوم عليه الناموس . وإن العدل الذي يطالب به الخلفاء في الأرض والحكام بين الناس إنما هو طرف من الحق الكلي ، لا يستقيم أمر الناس إلا حين يتناسق مع بقية الأطراف . وإن الانحراف عن شريعة الله والحق في الخلافة والعدل في الحكم إنما هو انحراف عن الناموس الكوني الذي قامت عليه السماء والأرض ؛ وهو أمر عظيم إذن وشر كبير ، واصطدام مع القوى الكونية الهائلة لا بد أن يتحطم في النهاية ويزهق . فما يمكن أن يصمد ظالم باغ منحرف عن سنة الله وناموس الكون وطبيعة الوجود . . ما يمكن أن يصمد بقوته الهزيلة الضئيلة لتلك القوى الساحقة الهائلة ، ولعجلة الكون الجبارة الطاحنة !

وهذا ما ينبغي أن يتدبره المتدبرون وأن يتذكره أولو الألباب . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ} (27)

26

المفردات :

باطلا : عبثا ولهوا .

ويل : هلاك وعذاب يأتيهم من النار .

التفسير :

27- { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار } .

لم نخلق السماء والأرض ، والفضاء والهواء ، والكون كله باطلا وعبثا ولهوا ، بل خلقناه لحكمة ، وهي معرفة الناس لله وعبادته وطاعته ، وامتثال أمره ، واجتناب نواهيه .

قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } . [ الذاريات : 56 ] . .

أي : ليعرفوني ويعبدوني ويطيعوني .

{ ذلك ظن الذين كفروا } .

بأنهم خلقوا عبثا ، وسيتركون سدى ، فلا بعث ولا حشر ولا حساب ولا جزاء ، والآية ردٌّ على المشركين في إنكار البعث ، ذلك لأن هذا الكون البديع يحتاج إلى إله عادل ، والدنيا ليست دار جزاء ، فلا بد من يوم للجزاء العادل ، وإنكار هذا اليوم كفر .

{ فويل للذين كفروا من النار } .

الذين كفروا بالله ، وعزموا على هذا الكفر ، وأصروا على أنهم لو مكثوا في الدنيا خالدين لاستمرّ كفرهم بالله ، فسيكون عقابهم النار ، التي يصلون عذابها فتحرق أجسامهم ، ويأكلون الضريع والزقوم وجمر جهنم وحجارتها ، ثم يسقون من الحميم الذي يُقطّع أمعاءهم ، ويشوي وجوههم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا بَٰطِلٗاۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ} (27)

ولما كان التقدير : فما قضيناه في الأزل بيوم الحساب وتوعدنا به سدى ، عطف عليه قوله صارفاً الكلام عن الغيبة إلى مظهر العظمة إشارة إلى أن العظيم تأبى له عظمته غير الجد العظيم : { وما خلقنا } أي على ما لنا من العظمة ، ويجوز أن تكون الجملة حالية . ولما كان السياق لما وقع منهم من الشقاق عناداً لا جهلاً ، ذكر من السماوات ما لا يمكن النزاع فيه مع أن اللفظ للجنس فيشمل الكل فقال : { السماء } أي التي ترونها { والأرض وما بينهما } مما تحسونه من الرياح وغيرها خلقا { باطلاً } أي لغير غاية أردناها بذلك من حساب من فيهما كما يحاسب أقل من فيكم إجزاء ، ومجازاة من فيهما بالثواب لمن أطاع والعقاب لمن عصى كما يفعل أقل ملوككم فإن أدنى الناس عقلاً لا يبني بناء ضخماً إلا لغاية أرادها ، وتلك الغاية هي الفصل بين الناس الذين أعطيناهم القوى والقدر في هذه الدار ، وبثثنا بينهم الأسباب الموجبة لانتشار الصفاء فيهم والأكدار ، وأعطيناهم العقول تنبيهاً على ما يراد بهم ، وأرسلنا فيهم الرسل ، وأنزلنا إليهم الكتب ، بالتعريف بما يرضينا ويسخطنا ، فنابذوا كل ذلك فلو تركناهم بلا جمع لهم ولا إنصاف بينها لكان هذا الخلق كله باطلاً لا حكمة فيه أصلاً ، لأن خلقه للضر أو النفع أو لا لواحد منهما ، والأول باطل لأنه غير لائق بالرحيم الكريم ، والثالث باطل لأنه كان في حال العدم كذلك ، فلم يبق للإيجاد مرجح ، فتعين الوسط وهو النفع ، وهو لا يكون بالدنيا لأن ضرها أكثر من نفعها ، وتحمل ضر كثير لنفع غير لائق بالحكيم الكريم ، فتعين ما وقع الوعد الصادق به من نفع الآخرة المطابق لما ذكر من عقل العقلاء وسير النبلاء .

ولما كان هذا - وهو منابذة الحكمة - عظيماً جداً ، عظمه بقوله : { ذلك } أي الأمر البعيد عن الصواب { ظن الذين كفروا } أي من أوقع هذا الظن في وقت ما ، فقد أوجد الكفر لأنه جحد الحكمة التي هي البعث لإظهار صفات الكمال والمجازاة بالثواب والعقاب ، ومن جحد الحكمة فقد سفه الخالق ، فكان إقراره بأنه خالق كلا إقرار فكان كافراً به ، ثم سبب عن هذا الظن قوله : { فويل } أي هلاك عظيم بسبب هذا الظن ، وأظهر في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : { للذين كفروا } أي مطلقاً بهذا الظن وبغيره { من } أي مبتدأ من { النار * } أي الحكم عليهم بها .