والاستفهام التالي عن حقيقة وجودهم ، هم أنفسهم ، وهي حقيقة قائمة لا مفر لهم من مواجهتها ، ولا سبيل لهم إلى تفسيرها بغير ما يقوله القرآن فيها ، من أن لهم خالقا أوجدهم هو الله سبحانه . وهو موجود بذاته . وهم مخلوقون .
( أم خلقوا من غير شيء ? أم هم الخالقون ? ) . .
ووجودهم هكذا من غير شيء أمر ينكره منطق الفطرة ابتداء ؛ ولا يحتاج إلى جدل كثير أو قليل . أما أن يكونوا هم الخالقين لأنفسهم فأمر لم يدعوه ولا يدعيه مخلوق . وإذا كان هذان الفرضان لا يقومان بحكم منطق الفطرة ، فإنه لا يبقى إلا الحقيقة التي يقولها القرآن . وهي أنهم جميعا من خلق الله الواحد الذي لا يشاركه أحد في الخلق والإنشاء ؛ فلا يجوز أن يشاركه أحد في الربوبية والعبادة . . وهو منطق واضح بسيط .
{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ( 35 ) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لاَ يُوقِنُونَ ( 36 ) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ( 37 ) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ( 38 ) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ( 39 ) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ( 40 ) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ( 41 ) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ( 42 ) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 43 ) } .
35- { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } .
إنهم مَوجودون في صورة بديعة جميلة ، بها حواس متعددة : بصر ، وسمع ، وقوام ، وعقل ، وأيد ، وأرجل .
فهل هذا الخلق البديع المتكامل وجد من غير مُوجد ؟ هذا باطل .
هل هم الذين خلقوا أنفسهم ؟ هذا مستحيل ، فلم يبق إلا أن يكون الله تعالى هو الذي خلقهم .
روى البخاري ، عن جبير بن مطعم ، أنه لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في شأن فداء الأسرى ، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في سورة المغرب بسورة الطّور ، قال : فلما بلغ في القراءة هذه الآية : أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ . كاد قلبي يطيرv .
لقد اهتز قلب الكافر من أجل آية ، ولو فتح القوم قلوبهم للقرآن لآمنوا ، لكنّهم أعرضوا وكفروا .
{ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شيء } أي أم أحدثوا وقدروا هذا التقدير البديع من غير مقدر وخالق ، وقال الطبري : المراد أم خلقوا من غير شيء حي فهم لا يؤمرون ولا ينهون كالجمادات ، وقيل : المعنى أم خلقوا من غير علة ولا لغاية ثواب وعقاب فهم لذلك لا يسمعون ، و { مِنْ } عليه للسببية ، وعلى ما تقدم لابتداء الغاية والمعول عليه من الأقوال ما قدمنا ، وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة إيضاح له ، ويؤيده قوله سبحانه : { أَمْ هُمُ الخالقون } أي الذين خلقوا أنفسهم فلذلك لا يعبدون الله عز وجل ولا يلتفتون إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إذ على القولين لا يظهر حسن المقابلة ، وإرادة خلقوا أنفسهم يشعر به قوله تعالى : { أَمْ خَلَقُواْ السموات والأرض } . إذ لو أريد العموم لعدم ذكر المفعول لم يظهر حسن المقابلة أيضاً ، وقال ابن عطية : المراد أهم الذين خلقوا الأشياء فهم لذلك يتكبرون ثم خص من تلك الأشياء السموات والأرض لعظمهما وشرفهما في المخلوقات وفيه ما سمعته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.