في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

( فقضاهن سبع سماوات في يومين ) . . ( وأوحى في كل سماء أمرها ) . .

واليومان قد يكونان هما اللذان تكونت فيهما النجوم من السدم . أو تم فيهما التكوين كما يعلمه الله . والوحي بالأمر في كل سماء يشير إلى إطلاق النواميس العاملة فيها ، على هدى من الله وتوجيه ؛ أما ما هي السماء المقصودة فلا نملك تحديداً . فقد تكون درجة البعد سماء . وقد تكون المجرة الواحدة سماء . وقد تكون المجرات التي على أبعاد متفاوتة سماوات . . وقد يكون غير ذلك . مما تحتمله لفظه سماء وهو كثير .

( وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ) . .

والسماء الدنيا هي كذلك ليس لها مدلول واحد محدد . فقد تكون هي أقرب المجرات إلينا وهي المعروفة بسكة التبان والتي يبلغ قطرها مائة ألف مليون سنة ضوئية ! وقد يكون غيرها مما ينطبق عليه لفظ سماء . وفيه النجوم والكواكب المنيرة لنا كالمصابيح .

( وحفظاً ) . . من الشياطين . . كما يدل على هذا ما ورد في المواضع الأخرى من القرآن . . ولا نملك أن نقول عن الشياطين شيئاً مفصلاً . أكثر من الإشارات السريعة في القرآن . فحسبنا هذا . .

( ذلك تقدير العزيز العليم ) . .

وهل يقدر هذا كله ? ويمسك الوجود كله ، ويدبر الوجود كله . . إلا العزيز القوي القادر ? وإلا العليم الخبير بالموارد والمصادر ?

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

9

المفردات :

فقضاهنّ : خلقهنّ وصيّرهن وأكملهن وفرغ منهنّ .

في يومين : في تمام يومين .

وأوحى في كل سماء أمرها : وخلق في كل منها ما أعدّ لها .

بمصابيح : بنجوم .

وحفظا : حفظناها من استراق الشياطين السمع .

تقدير العزيز العليم : تقدير البالغ التامّ في القدرة والعلم .

التفسير :

12- { فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } .

فأتم خلق السماوات السبع في مقدار يومين أو نوبتين .

{ وأوحى في كل سماء أمرها . . . }

أي : جعل فيها النظام الذي تجري عليه الأمور فيها .

قال قتادة : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها .

{ وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } .

السماء القريبة من الأرض جعلنا فيها النجوم زينة للسماء كالمصابيح ، وهذه النجوم لحفظ السماء من الشياطين التي تحاول استراق السمع ، وهي أيضا هداية للسائرين في البر والبحر ، يعرفون منها اتجاه القبلة ، ويعرفون منها الجهات الأربع الأصلية ، ذلك النظام البديع هو تقدير الله القوي الغالب ، العليم بمصالح عباده وحاجاتهم .

وتفيد الآيات جلال القدرة الإلهية المبدعة التي خلقت الأرض مكانا فسيحا ، ومائدة عامرة يأكل منها الإنسان والحيوان والطير ، وخلقت السماء سقفا مرفوعا مزينا بالنجوم ، محفوظا بالشهب من الشياطين المتمردين ، مزودا بأسباب هداية السائرين في المحيطات وفي الصحراء ، مثل النجم القطبي ، ومجموعة من النجوم على شكل مغرفة ، تسمى مجموعة كاثيوبيا ، نعرف منها جهة الجنوب ، وبالتالي نعرف جهة الشمال ثم الشرق والغرب .

وتفيد الآيات أن لهذا الكون إلها خالقا رازقا ، يحفظ الكون ويمسك بزمامه ، وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم عند النوم : " اللهم رب السماء وما أظلت ، والأرضين وما أقلّت ، والشياطين وما أضلت ، كن لي جارا من شرار خلقك ، عزّ جارك " . {[643]}

وقال تعالى : { إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا } . ( فاطر : 41 ) .


[643]:اللهم رب السماوات السبع: رواه الترمذي في الدعوات (3522) من حديث بريدة قال: شكا خالد بن الوليد المخزومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم رب السماوات السبع وما أظلت ورب الأرضيين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط على أحد منهم أو أن يبغى عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك لا إله إلا أنت". قال أبو عيسى: هذا حديث ليس إسناده بالقوي، والحكم بن ظهير قد ترك حديثه بعض أهل الحديث، ويروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا من غير هذا الوجه.
 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

{ فقضاهن سبع سموات } ففزع من تسويتهن على أبدع صورة وأحكم وضع{ في يومين } أي في مقدارهما ؛ فمدة الخلق كلها ستة أيام ؛ كما قال تعالى : " وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام " {[301]} . { وأوحى في كل سماء أمرها } أي خلق في كل منها ما اقتضت حكمته أن يكون فيها من الملائكة والنيرات وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله تعالى . { وحفظا } أي وحفظناها حفظا من الاختلال والاضطراب والسقوط .


[301]:آية 7 هود.
 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

فقضاهن : خلقهن .

أمرها : شأنها .

بمصابيح : بكواكب ونجوم كما نراها .

وحفظا : حفظناها حفظا من الآفات

والمراد هنا من هذا التعبير تصويرُ قدرته تعالى فيهما وامتثالهما بالطاعة لأمره . فخلقَهن سبع سموات في يومين من أيامه ، وأوحى في كل سماءٍ أمرها وما أُعدّت له واقتضته حكمته ، وزين السماء الدنيا التي نراها بالنجوم المنيرة كالمصابيح في أقرب المجرّات إلينا التي نعيش على أطرافها ، وهي المعروفة بدرْب التبّانة ، والتي يقدَّر قطرها بنحو مئة ألف مليون سنة ضوئية . وجعل لهذه الأرض غلافاً جوياً يحفظها من كل سوء .

{ ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم } الذي يمسك هذا الكون ، ويدبر الوجود كله بقدرته وحكمته .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

قوله تعالى :{ فقضاهن سبع سماوات في يومين } أي : أتمهن وفرغ من خلقهن ، { وأوحى في كل سماء أمرها } قال عطاء عن ابن عباس : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله . وقال قتادة والسدي : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها . وقال مقاتل : وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي ، وذلك يوم الخميس والجمعة . { وزينا السماء الدنيا بمصابيح } كواكب ، { وحفظاً } لها ونصب ( حفظاً ) على المصدر ، أي : حفظناها بالكواكب حفظاً من الشياطين الذين يسترقون السمع ، { ذلك } الذي ذكر من صنعه ، { تقدير العزيز } في ملكه ، { العليم } بحفظه .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

{ فقضاهن } صنعهن وأحكمهن { سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها } أوحى في أهل كل سماء بما أراد من الأمر والنهي وقوله { وحفظا } أي حفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حفظا

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

قوله تعالى : " فقضاهن سبع سماوات في يومين " أي أكملهن وفرغ منهن . وقيل : أحكمهن كما قال{[13420]} :

وعليهمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا *** داودُ أو صَنَعُ السوابغِ تُبَّعُ

" في يومين " سوى الأربعة الأيام التي خلق فيها الأرض ، فوقع خلق السموات والأرض في ستة أيام ، كما قال تعالى : " خلق السماوات والأرض في ستة أيام " [ الأعراف : 54 ] على ما تقدم في " الأعراف " {[13421]} بيانه . قال مجاهد : ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدون . وعن عبد الله بن سلام قال : خلق الله الأرض في يومين ، وقدر فيها أقواتها في يومين ، وخلق السموات في يومين ، خلق الأرض في يوم الأحد والاثنين ، وقدر فيها أقواتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ، وخلق السموات في يوم الخميس ويوم الجمعة ، وآخر ساعة في يوم الجمعة خلق الله آدم في عجل ، وهي التي تقوم فيها الساعة ، وما خلق الله من دابة إلا وهي تفزع من يوم الجمعة إلا الإنس والجن . على هذا أهل التفسير ، إلا ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ، فقال : ( خلق الله التربة يوم السبت . . . ) الحديث ، وقد تكلمنا على إسناده في أول سورة ( الأنعام ){[13422]} . " وأوحى في كل سماء أمرها " قال قتادة والسدي : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها ، وخلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد والثلوج . وهو قول ابن عباس . قال : ولله في كل سماء بيت تحج إليه وتطوف به الملائكة بحذاء الكعبة ، والذي في السماء الدنيا هو البيت المعمور . وقيل : أوحى الله في كل سماء ، أي أوحى فيها ما أراده وما أمر به فيها . والإيحاء قد يكون أمرا ؛ لقوله : " بأن ربك أوحى لها " [ الزلزلة : 5 ] وقوله : " وإذ أوحيت إلى الحواريين " [ المائدة : 111 ] أي أمرتهم وهو أمر تكوين .

قوله تعالى : " وزينا السماء الدنيا بمصابيح " أي بكواكب تضيء وقيل : إن في كل سماء كواكب تضيء . وقيل : بل الكواكب مختصة بالسماء الدنيا . " وحفظا " أي وحفظناها حفظا ، أي من الشياطين الذين يسترقون السمع . وهذا الحفظ بالكواكب التي ترجم بها الشياطين على ما تقدم في " الحجر " {[13423]} بيانه . وظاهر هذه الآية يدل على أن الأرض خلقت قبل السماء . وقال في آية أخرى : " أم السماء بناها " [ النازعات : 27 ] ثم قال : " والأرض بعد ذلك دحاها " [ النازعات : 30 ] وهذا يدل على خلق السماء أولا . وقال قوم : خلقت الأرض قبل السماء ، فأما قوله : " والأرض بعد ذلك دحاها " [ النازعات : 30 ] فالدحو غير الخلق ، فالله خلق الأرض ثم خلق السموات ، ثم دحا الأرض أي مدها وبسطها ، قاله ابن عباس . وقد مضى هذا المعنى مجودا في " البقرة " {[13424]} والحمد لله . " ذلك تقدير العزيز العليم " .


[13420]:هو أبو ذؤيب الهذلي. والصنع بفتحتين الحاذق.
[13421]:راجع ج 7 ص 219 طبعة أولى أو ثانية.
[13422]:راجع ج 6 ص 384 طبعة أولى أو ثانية.
[13423]:راجع ج 10 ص 10 طبعة أولى أو ثانية.
[13424]:راجع ج 1 ص 255 وما بعدها طبعة ثانية أو ثالثة.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (12)

{ فقضاهن } أي خلقهن وصنعهن حال كونهن معدودات { سبع سماوات } صنعاً نافذاً هو كالقضاء لا تخلف فيه { في يومين } أي الخميس والجمعة إذا حسب مقدار ما يخصهن من التكوين في الستة الأيام التي كان فيها جميع الخافقين ، وما بينهما كان بمقدار ما خص واحداً من الأرض ومن أقواتها لا يزيد على مدة منهما ولا ينقص ، فيكون الذي خصهما ثلث المجموع ، قال ابن جرير : وإنما سمي يوم الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق السماوات والأرض . يعني فرغ من ذلك وأتمه { وأوحى } أي ألقى بطريق خفي وحكم مبتوت قوي { في كل سماء أمرها } أي الأمر الذي دبرها ودبر منافعها به على نظام محكم لا يختل ، وزمام مبرم لا ينحل .

ولما عم ، خص ما للتي تلينا إشارة إلى تشريفنا ، فقال صارفاً القول إلى مظهر العظمة تنبيهاً على ما في هذه الآية من العظم : { وزينّا } أي بما لنا من العظمة { السماء الدنيا } أي القربى إليكم لأجلكم { بمصابيح } من زواهر النجوم ، وشفوفها عنها لا ينافي أن تكون في غيرها مما هو أعلى منها ، ودل السياق على أن المراد : زينة { و } حفظناها بها { حفظاً } من الشياطين ، فالآية من الاحتباك : حذف فعل الحفظ بدلالة المصدر ، ومصدر الزينة بما دل عليه من فعلها .

ولما كان هذا أمراً باهراً ، نبه على عظمته بقوله صارفاً الخطاب إلى صفتي العز والعلم إعلاماً بأنهما أساس العظمة ومدارها : { ذلك } أي الأمر الرفيع والشأن البديع { تقدير العزيز } الذي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء { العليم * } المحيط علماً بكل شيء وكما قدر سبحانه ذلك بعزته وعلمه قضى أنه لا يفيد العز الدائم إلا ما شرعه من العلم ، وفي ختمه بالوصفين بشارة للأمة التي خوطبت بهما أنه يوتيها من عزه وعلمه لا سيما بالهبة وما شاكلها من الطبائع وغيرها ما لم يؤت أمة من الأمم قبلها ، وسر خلقه سبحانه العالم في مدة ولم يكن قي لمحة وجعلها ستة لا أقل ولا أكثر أنه لو خلقه في لمحة لكان ذلك شبهة لمن يقول : إنه فاعل بالذات لا بالاختيار ، فاقتضى الحال عدداً ، ثم اقتضى الحال أن يكون ستة لأنها أول عدد يدل على الكمال لأنها عدد تام كسورها لا تزيد عنها ولا تنقص ، فآذن ذلك بأن للفاعل نعوت الكمال وأوصاف التمام والتعال ، ولم يخلقه فيما دون ذلك من العدد لأنه ناقص ، وخلق الأرض في يومين لأن الاثنين عدد يدل على الفردانية فهو قائد للعبيد إلى التوحد ، وجعل اليومين مكررين باعتبار الذات والمنافع إيذاناً بما يقع فيها من المعصية بالشرك الذي هو تثنية وإفك ، ولم يكرر في السماء لأن آياتها أدل على التوحيد ولم يحصل من أهلها ما يدل على الوعيد ، وليكون إيجادها في أقل من مدة الأرض - مع أنها أكبر جرماً وأعجب صنعاً وأتقن جسماً - أدل على الفعل بالاختيار بعجائب الحكم وغرائب الأسرار الكبار .