السائق والشهيد : ملكان ، أحدهما يسوق النفس إلى أمر الله ، والآخر يشهد عليها بعملها .
21- { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } .
جاءت كل نفس خلقها الله تعالى ، من آدم إلى قيام الساعة ، جاءت إلى أرض المحشر للحساب والجزاء ، ومعها سائق يسوقها ، وشاهد يشهد عليها ، وقد جاء في الحديث الشريف : ( أن أحدهما ملك الحسنات ، وثانيهما ملك السيئات ، اللذان كانا يكتبان أعمال العباد في الدنيا ) ، أخرجه أبو نعيم في الحلية مرفوعا عن جابر .
قوله تعالى : " وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد " اختلف في السائق والشهيد ، فقال ابن عباس : السائق من الملائكة والشهيد من أنفسهم الأيدي والأرجل ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال أبو هريرة : السائق الملك والشهيد العمل . وقال الحسن وقتادة : المعنى سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها . وقال ابن مسلم : السائق قرينها من الشياطين سمي سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها . وقال مجاهد : السائق والشهيد ملكان . وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال وهو على المنبر : " وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد " سائق : ملك يسوقها إلى أمر الله ، وشهيد : يشهد عليها بعملها .
قلت : هذا أصح فإن في حديث جابر بن عبدالله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله عز وجل له إن الله لا اله غيره إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه وأثره وأجله واكتبه شقيا أو سعيدا ، ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث الله ملكا آخر فيحفظه حتى يدرك ، ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناته وسيئاته ، فإذا جاءه الموت ارتفع ذلك{[14168]} الملكان ، ثم جاء ملك الموت عليه السلام فيقبض روحه ، فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ثم يرتفع ملك الموت ، ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فأنشطا{[14169]} كتابا معقودا في عنقه ثم حضرا معه واحد سائق والآخر شهيد ، ثم قال الله تعالى " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لتركبن طبقا عن طبق قال : ( حالا بعد حال ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا بالله العظيم ) خرجه أبو نعيم الحافظ من حديث جعفر بن محمد بن علي عن جابر وقال فيه : هذا حديث غريب من حديث جعفر ، وحديث جابر تفرد به عنه جابر الجعفي وعنه المفضل . ثم في الآية قولان : أحدهما : أنها عامة في المسلم والكافر وهو قول الجمهور . الثاني : أنها خاصة في الكافر ، قاله الضحاك .
ولما كان التقدير : فكان من تلك النفخة صيحة هائلة ورجة شاملة{[61175]} ، فقام الناس عامة من قبورهم ، وحصل ما في صدورهم ، عطف عليه قوله بياناً لإحاطة العرض : { وجاءت كل نفس } أي-{[61176]} مكلفة كائنا-{[61177]} { معها{[61178]} سائق } يسوقها إلى ماهي كارهة للغاية لعلمه بما قدمت من النقائص { وشهيد * } يشهد عليها بما عملت ، والظاهر من هذا أن السائق لا تعلق له-{[61179]} بالشهادة أصلاً ، لئلا تقول تلك النفس : إنه خصم ، والخصم لا تقبل شهادته ،