الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ} (21)

قوله تعالى : " وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد " اختلف في السائق والشهيد ، فقال ابن عباس : السائق من الملائكة والشهيد من أنفسهم الأيدي والأرجل ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال أبو هريرة : السائق الملك والشهيد العمل . وقال الحسن وقتادة : المعنى سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها . وقال ابن مسلم : السائق قرينها من الشياطين سمي سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها . وقال مجاهد : السائق والشهيد ملكان . وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال وهو على المنبر : " وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد " سائق : ملك يسوقها إلى أمر الله ، وشهيد : يشهد عليها بعملها .

قلت : هذا أصح فإن في حديث جابر بن عبدالله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله عز وجل له إن الله لا اله غيره إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه وأثره وأجله واكتبه شقيا أو سعيدا ، ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث الله ملكا آخر فيحفظه حتى يدرك ، ثم يبعث الله ملكين يكتبان حسناته وسيئاته ، فإذا جاءه الموت ارتفع ذلك{[14168]} الملكان ، ثم جاء ملك الموت عليه السلام فيقبض روحه ، فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ثم يرتفع ملك الموت ، ثم جاءه ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فأنشطا{[14169]} كتابا معقودا في عنقه ثم حضرا معه واحد سائق والآخر شهيد ، ثم قال الله تعالى " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لتركبن طبقا عن طبق قال : ( حالا بعد حال ) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا بالله العظيم ) خرجه أبو نعيم الحافظ من حديث جعفر بن محمد بن علي عن جابر وقال فيه : هذا حديث غريب من حديث جعفر ، وحديث جابر تفرد به عنه جابر الجعفي وعنه المفضل . ثم في الآية قولان : أحدهما : أنها عامة في المسلم والكافر وهو قول الجمهور . الثاني : أنها خاصة في الكافر ، قاله الضحاك .


[14168]:كذا في جميع الأصول والدر المنثور، والظاهر أن يكون "ذانك".
[14169]:أنشط الكتاب: حل عقدته.