البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ} (21)

وقرأ الجمهور : معها ؛ وطلحة : بالحاء مثقلة ، أدغم العين في الهاء ، فانقلبتا حاء ؛ كما قالوا : ذهب محم ، يريد معهم ، { سائق } : جاث على السير ، { وشهيد } : يشهد عليه .

قال عثمان بن عفان ، ومجاهد وغيره : ملكان موكلان بكل إنسان ، أحدهما يسوقه ، والآخر من حفظه يشهد عليه .

وقال أبو هريرة : السائق ملك ، والشهيد النبي .

وقيل : الشهيد : الكتاب الذي يلقاه منشوراً ، والظاهر أن قوله : { سائق وشهيد } اسما جنس ، فالسائق : ملائكة موكلون بذلك ، والشهيد : الحفظة وكل من يشهد .

وقال ابن عباس ، والضحاك : السائق ملك ، والشهيد : جوارح الإنسان .

قال ابن عطية : وهذا يبعد عن ابن عباس ، لأن الجوارح إنما تشهد بالمعاصي ، وقوله : كل نفس يعم الصالحين ، فإنما معناه : وشهيد بخيره وشره .

ويقوى في شهيد اسم الجنس ، فشهد بالخير الملائكة والبقاع ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :

« لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة » وقال أبو هريرة : السائق ملك ، والشهيد العمل .

وقال أبو مسلم : السائق شيطان ، وهو قول ضعيف .

وقال الزمخشري : ملكان ، أحدهما يسوقه إلى المحشر ، والآخر يشهد عليه بعمله ؛ أو ملك واحد جامع بين الأمرين ، كأنه قيل : ملك يسوقه ويشهد عليه ويحل معها سائق النصب على الحال من كل لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة ، هذا كلام ساقط لا يصدر عن مبتدىء في النحو ، لأنه لو نعت كل نفس ، لما نعت إلا بالنكرة ، فهو نكرة على كل حال ، فلا يمكن أن يتعرف كل ، وهو مضاف إلى نكرة .