في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (35)

( ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ) . .

لو شاء الله أن يقفهم أمام بأسه ، ويوبق سفائنهم ، وهم لا يملكون منها نجاة !

وهكذا يشعرهم بأن ما يملكون من أعراض هذه الحياة الدنيا ، عرضة كله للذهاب . فلا ثبات ولا استقرار لشيء إلا الصلة الوثيقة بالله .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (35)

27

المفردات :

ما لهم من محيص : ما لهم من مهرب ولا مخلص من العذاب .

التفسير :

35- { ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص } .

إذا كانوا في يد القدرة التي إن شاءت أمسكت الريح ، وإن شاءت أرسلت الريح عاتية قوية ، تجعل السفينة كالريشة في مهب الرياح ، حتى يعلم الذين يجادلون في آيات الله بالباطل ، فينكرون الألوهية ، أو يشككون في دين الله وربوبيته أنهم مقهورون مربوبون ، ما لهم من ملجأ ولا مهرب من قدرة الله القدير .

قال القرطبي :

أي : ليعلم الكفار إذا توسطوا في البحر ، وغشيتهم الرياح من كل مكان ، أنه لا ملجأ لهم سوى الله ، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم ، فيخلصوا له العبادة .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (35)

{ ويعلم الذين يجادلون . . . } بالنصب عطف على مقدر ؛ أي لينتقم منهم ويعلم . أو ليظهر عظيم قدرته ويعلم . { ما لهم من محيص } ما لهم مهرب من العذاب على مجادلتهم في آيات الله . يقال : حاص عنه حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا ، عدل وحاد .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (35)

{ ويعلم الذين يجادلون في آياتنا } أي في دفعها وابطالها { ما لهم من محيص } مهرب من عذاب الله

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (35)

" ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص " يعني الكفار ، أي إذا توسطوا البحر وغشيتهم الرياح من كل مكان أو بقيت السفن رواكد علموا أنه لا ملجأ له لهم سوى الله ، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم فيخلصون له العبادة ، وقد مضى هذا المعنى في غير موضع{[13521]} ومضى القول في ركوب البحر في " البقرة " {[13522]} وغيرها بما يغني عن إعادته . وقرأ نافع وابن عامر " ويعلم " بالرفع ، الباقون بالنصب . فالرفع على الاستئناف بعد الشرط والجزاء ، كقوله في سورة التوبة : " ويخزهم وينصركم عليهم " {[13523]} [ التوبة : 14 ] ثم قال : " ويتوب الله على من يشاء " [ التوبة : 15 ] رفعا . ونظيره في الكلام : إن تأتني آتك وينطلق عبد الله . أو على أنه خبر ابتداء محذوف . والنصب على الصرف ، كقوله تعالى : " ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " {[13524]} [ آل عمران : 142 ]صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافا كراهية لتوالي الجزم ، كقول النابغة :

فإن يهلك أبُو قابوسَ يَهْلِكْ *** ربيعُ الناس والشهرُ الحرام{[13525]}

ويمسك بعده بذِنَابِ عيشٍ *** أجبَّ الظهر ليس سَنَامُ{[13526]}

وهذا معنى قول الفراء ، قال : ولو جزم " ويعلم " جاز . وقال الزجاج : نصب على إضمار " أن " لأن قبلها جزما ، تقول : ما تصنع أصنع مثله وإن شئت قلت . وأكرمك بالجزم . وفي بعض المصاحف " وليعلم " . وهذا يدل على أن النصب بمعنى : وليعلم أو لأن يعلم . وقال أبو علي والمبرد : النصب بإضمار " أن " على أن يجعل الأول في تقدير المصدر ، أي ويكون منه عفو وأن يعلم فلما حمله . على الاسم أضمر أن ، كما تقول : إن تأتني وتعطيني أكرمك ، فتنصب تعطيني ، أي إن يكن منك إتيان وأن تعطيني . ومعنى " من محيص " أي من فرار ومهرب ، قاله قطرب . السدي : من ملجأ ، وهو مأخوذ من قولهم : حاص به البعير حيصة إذا رمى به . ومنه قولهم : فلان يحيص عن الحق أي يميل عنه .


[13521]:راجع ج 8 ص 325 و ج 13 ص 223.
[13522]:راجع ج 2 ص 195 طبعة ثانية.
[13523]:آية 14.
[13524]:آية 142 سورة آل عمران.
[13525]:أبو قابوس: كنيته النعمان بن المنذر، يريد أنه كان كالربيع في الخصب لمجتديه، وكالشهر الحرام لجاره، أي لا يوصل إلى من أجاره. والمعنى: إن يمت النعمان يذهب خير الدنيا لأنها كانت تعمر به وبجوده وعدله ونفعه للناس، ومن كان في ذمته وسلطانه فهو آمن على نفسه محقون الدم كما يأمن الناس في الشهر الحرام على أموالهم ودمائهم.
[13526]:ذناب كل شيء: عقبه ومؤخره. وأجب الظهر مقطوع السنام. يقول: إن مات بقينا في طرف عيش قد مضى صدره ومعظمه وختره، وقد بقي منه ذنبه.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (35)

ولما كان هذا كله على صورة الاختبار لن يستبصر فيدوم إخلاصه ، ومن يرجع إلى العمى فلا يكون خلاصه ، قال مبيناً بالنصب للصرف عن العطف على شيء من الأفعال الماضية لفساد المعنى لكونها في حيز الشرط ، فيصير العلم أيضاً مشروطاً : { ويعلم الذين يجادلون } أي عند النجاة بالعفو . ولما كان مقام العظمة شديد المنافاة للمجادلة ، لفت القول إليه فقال : { في آياتنا } أي هذه التي لا تضاهي عظمتها ولا تقايس جلالتها وعزتها رجوعاً إلى ما كانوا عليه من الشرك والنزاع في تمام القدرة بإنكار البعث ، ومن واو الصرف يعرف أن مدخولها مفرد في تأويل المصدر لأن النصب فيها بتقدير أن فيكون مبتدأ خبره ما يدل عليه السياق فالتقدير هنا : وعلمه سبحانه بالمجادلين عند هذا حاصل ، والتعبير عنه بالمضارع لإفادة الاستمرار لتجدد تعلق العلم بكل مجادل كلما حصل جدال ، وقراءة نافع وابن عامر بالرفع دالة على هذا ، فإن التقدير : وهو يعلم - فالرفع هنا والنصب سواء ، قال الرضي في شرح قول ابن الحاجب في نواصب الفعل : والفاء - أي ناصبة - بشرطين : السببية ، والثاني أن يكون قبلها أحد الأشياء الثمانية ، والواو بشرطين : الجمعية وأن يكون قبلها _مثل ذلك . وقد تضمر " أن ّ الناصبة بعد الفاء والواو الواقعتين بعد الشرط قبل الجزاء نحو أن تأتني فتكرمني أو تكرمني أنت ، أو بعد الشرط والجزاء : إن تأتني إنك فأكرمك أو وأكرمك ، وذلك لمشابهة الشرط في الأول والجزاء في الثاني النفي ، إذ الجزاء مشروط ووجوده بوجود الشرط ، ووجود الشرط مفروض ، فكلاهما غير موصوفين بالوجود حقيقة ، وعليه حمل قوله تعالى { ويعلم الذين } في قراءة النصب ، ثم قال : وكذا يقول في الفعل المنصوب بعد واو الصرف أنهم لما قصدوا فيها معنى الجمعية نصبوا المضارع بعدها ليكون الصرف عن سنن الكلام المتقدم مرشداً من أول الأمر أنها ليست للعطف فهي إذن إما واو الحال وأكثر دخولها على الاسمية فالمضارع بعدها في تقدير مبتدأ محذوف الخبر وجوباً ، فمعنى قم وأقوم : قم وقيامي ثابت : أي في حال ثبوت قيامي ، وإما بمعنى مع وهي لا تدخل إلا على الاسم قصدوا ها هنا مصاحبة الفعل للفعل منصوباً ما بعدها ، فمعنى قم وأقوم : قم مع قيامي كما قصدوا في المفعول معه مصاحبة الاسم للاسم فنصبوا ما بعد الواو ، ولو جعلنا الواو عاطفة للمصدر على المصدر متصيد من الفعل قبله كما قاله النحاة ، أي لم يكن منك قيام وقيام مني ، لم يكن فيه نصوصية على معنى الجمع ، والأولى في قصد النصوصية في شيء على معنى أن يجعل على وجه يكون ظاهراً فيما قصدوا النصوصية عليه ، وإنما شرطوا في نصب ما بعد فاء السببية كون ما قبلها أحد الأشياء المذكورة أي الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض والتحضيض والرجاء لأنها غير حاصلة المصادر فتكون كالشرط الذي ليس بمتحقق الوقوع ، ويكون ما بعد الفاء كجزائها ثم حملوا ما قبل واو الجمعية في وجوب كون أحد الأشياء المذكورة على ما قبل فاء السببية التي هي أكثر استعمالاً من الواو في مثل هذا الموضع أعني في انتصاب المضارع بعدها ، وذلك لمشابهة الواو للفاء في أصل العطف ، وفي صرف ما بعدهما عن سنن العطف لقصد السببية في إحداهما والجمعية في الأخرى ، ولقرب الجمعية من التعقب الذي هو لازم السببية ثم قال : وكذا ربما لم يصرف بعد واو الجمعية إلى النصب أمنا من اللبس نحو ائتني وأكرمك بالرفع ، لأن واو الحال قد تدخل على المضارع المثبت كما ذكرنا في باب الحال ، نحو قمت وأضرب زيداً أي وأنا أضرب .

ولما كان علم القادر بالمعصية موجباً لعذاب من عصاه ، كان كأنه قيل : قد خسر من فعل ذلك فيا ليت شعري ما يكون حالهم ؟ أجاب بقوله : { ما لهم من محيص * } أي محيد ومفر أصلاً عن عذابه ، ولا بشيء يسير ، وإن تأخر في نظركم إيقاع العذاب بهم فإن عذابه سبحانه منه ما هو باطن وهو الاستدراج بالنعم وهذا لا يدركه إلا أرباب القلوب المقربون لدى علام الغيوب ، ومنه ما هو ظاهر ، ويجوز أن يكون " الذين " فاعل " يعلم " ، وحينئذ تكون هذه الجملة في محل نصب لسدها مسد مفعول العلم .