قوله تعالى : { وَيَعْلَمَ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } قرأ نافع وابن عامر برفعه والباقون بنصبه{[49398]} . وقرئ : بجزمه أيضاً{[49399]} . فأما الرفع فواضح جداً ، وهو يحتمل وجهين : الاستئناف بجملة اسمية ، فتقدر الفعل مبتدأ أي وهو يعلم الذين و«الذين »{[49400]} على الأول فاعل ، وعلى الثاني مفعول . وأما قراءة النصب ففيها أوجه :
أحدها : قال الزجاج : على الصرف قال : ومعنى الصرف صرف العطف عن اللفظ إلى العطف على المعنى قال : وذلك أنه لم يحسن عطف «ويعلم » مجزوماً على ما قبله ؛ إذ يكون المعنى إن يشأ يعلم عدل إلى العطف على مصدر الفعل الذي قبله ، ولا يتأتى ذلك إلا بإضمار «أن » ليكون مع الفعل في تأويل اسم{[49401]} . وقال البغوي : قرئ بالنصب على الصَّرف والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب كقوله : { وَيَعْلَمَ الصابرين } [ آل عمران : 142 ] نقل من حال الجزم إلى النصب استخفافاً وكراهية توالي الجزم{[49402]} .
الثاني : قول الكوفيون : إنه{[49403]} منصوب بواو الصرف يعنون أن الواو نفسها هي الناصبة ، لا بإضمار «أنْ » وتقدم معنى الصَّرف .
الثالث : قال الفارسي{[49404]} ونقله الزمخشري{[49405]} عن الزجاج إن النصب على إضمار «إنْ » ؛ لأن قبلها جزاءً تقول : ما تصنع أصنع ، وأكرمك وإن شئت : وأكرمك على : وأنا أكرمك ، وإن شئت : وأكرمك جزماً .
قال الزمخشري : وفيه نظر ؛ لما أورده سيبويه في كتابه قال : واعلم أنَّ النَّصب بالواو والفاء في قوله : إن تَأْتِنِي آتِكَ ، وأُعطِيكَ ضعيفٌ ، وهو نحو من قوله :
4386 . . . . . . . . . . . . . *** وَأَلْحَقَ بِالحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا{[49406]}
فهذا ( لا ){[49407]} يجوز ، لأنه ليس بحَدِّ الكلام ولا وجه ، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلاً ؛ لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل ، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه{[49408]} . قال الزمخشري : ولا يجوز أن تحصل القراءة المستفيضة على وجةٍ ليس بحدِّ الكلام ولا وجهه ، ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه .
وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة{[49409]} .
الرابع : أن ينتصب عطفاً على تعليل محذوف تقديره : لينتقم منهم ويعلم الذين ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن ومنه : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ } [ مريم : 21 ] { وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى } [ الجاثية : 22 ] قاله الزمخشري{[49410]} . قال أبو حيان : ويبعد تقديره : لينتقم منهم لأنه مرتب على الشرط إهلاك قوم ونجاة قوم فلا يحسن «لينتقم منهم » وأما الآتيان فيمكن أن تكونت اللام متعلقةً بفعل محذوف تقديره «وَلِنجْعَلَهُ آيَةً فَعَلنَ ذلك ، ولتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ فَعَلْنَا ذَلِكَ » وهو كثيراً ( ما ){[49411]} يقدر هذا الفعل مع هذه اللام إذا لم يكن فعل يتعلق به{[49412]} . وقال شهاب الدين : بل يحسن تقدير : لينتقم ؛ لأنه يعود في المعنى على إهلاك قوم المترتب على الشرط{[49413]} .
فإن قلت كيف يصح المعنى على جزم «وَيَعْلَمْ » ؟ !
قلت : كأنه قيل{[49414]} : أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور إهلاك قوم ونجاة قوم وتحذير آخرين{[49415]} . وإذا قرئ بالجزم فيكسر الميم لالتقاء الساكنين .
وقوله : { مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } في محل نصب ، بسدها مسدَّ مفعولي{[49416]} العلم .
المعنى{[49417]} وليعلم الذين يجادلون أي يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله عزّ وجلّ بعد البعث لا مهرب لهم من عذاب الله{[49418]} ، كما أنه لا مخلص لهم إذا وُقصت السفن وإذا عصفت الرياح ، ويكون ذلك سبباً لاعترافهم بأن الإله النافع الضار ليس إلا الله{[49419]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.