جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (35)

وقوله : وَيَعْلَمَ الّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا يقول جلّ ثناؤه : ويعلم الذين يخاصمون رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من المشركين في آياته وعبره وأدلته على توحيده .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة «وَيَعْلَمُ الّذِينَ » رفعا على الاستئناف ، كما قال في سورة براءة : وَيَتُوبُ اللّهُ على مَنْ يَشاءُ وقرأته قرّاء الكوفة والبصرة وَيَعْلَمَ الّذِينَ نصبا كما قال في سورة آل عمران وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ على الصرف وكما قال النابغة :

فإنْ يَهْلِكْ أبو قابُوسَ يَهْلِكْ *** رَبِيعُ النّاسِ والشّهْرُ الحَرَامُ

وَنُمْسِكَ بَعْدَهُ بذَناب عَيْشٍ *** أجَبّ الظّهْرِ لَهُ سَنامُ

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ يقول تعالى ذكره : ما لهم من محيد من عقاب الله إذا عاقبهم على ذنوبهم ، وكفرهم به ، ولا لهم منه ملجأ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط عن السديّ ، قوله : ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ : ما لهم من ملجأ .