الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٖ} (35)

فإن قلت : فما وجوه القراءات الثلاث في { وَيَعْلَمَ } ؟ قلت : أما الجزم فعلى ظاهر العطف وأما الرفع فعلى الاستئناف . وأما النصب فللعطف على تعليل محذوف تقديره : لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن ، منه قوله تعالى : { وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ } [ مريم : 21 ] وقوله تعالى : { وَخَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الجاثية : 22 ] ، وأما قول الزجاج : النصب على إضمار أن ، لأنّ قبلها جزاء ، تقول : ما تصنع أصنع مثله وأكرمك وإن شئت وأكرمك ، على : وأنا أكرمك . وإن شئت وأكرمك جزماً ، ففيه نظر لما أورده سيبويه في كتابه . قال : واعلم أنّ النصب بالفاء والواو في قوله : إن تأتني آتك وأعطيك : ضعيف ، وهو نحو من قوله :

وَأَلْحَقُ بِالْحِجَازِ فَأَسْتَرِيحَا ***

فهذا يجوز ، وليس بحدّ الكلام ولا وجهه ، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلاً ؛ لأنه ليس بواجب أنه يفعل ، إلا أن يكون من الأوّل فعل ، فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه : أجازوا فيه هذا على ضعفه ا ه . ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحدّ الكلام ولا وجهه ، ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه ، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة .

فإن قلت : فكيف يصح المعنى على جزم { وَيَعْلَمَ } ؟ قلت : كأنه قال : أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور : هلاك قوم ونجاة قوم وتحذير آخرين { مِن مَّحِيصٍ } من محيد عن عقابه .