في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ) . .

وذكر اسم الله ، ليس هو مجرد ترديد هذا الاسم الكريم باللسان ، على عدة المسبحة المئوية أو الألفية ! إنما هو ذكر القلب الحاضر مع اللسان الذاكر ؛ أو هو الصلاة ذاتها وقراءة القرآن فيها . والتبتل هو الانقطاع الكلي عما عدا الله ، والاتجاه الكلي إليه بالعبادة والذكر ، والخلوص من كل شاغل ومن كل خاطر ، والحضور مع الله بكامل الحس والمشاعر .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

المفردات :

تبتل إليه تبتيلا : انقطع إلى عبادته تعالى ، واستغرق في مراقبته .

التفسير :

4- واذكر اسم ربك وتبتّل إليه تبتيلا .

اذكر ربك بالتسبيح والتهليل ، والتحميد والاستغفار ، وتلاوة القرآن والتهجّد .

وتبتّل إليه تبتيلا .

انقطع إليه انقطاعا ، أي : حين تذكر الله اجمع مع ذكر اللسان موافقة القلب ، والتفرغ لعبادته ومناجاته ، والصفاء والنقاء في ذكره .

والتبتل . هو الاشتغال الدائم بعبادته ، والانقطاع لطاعة الله تعالى .

ومنه قولهم : امرأة بتول ، أي : منقطعة عن الزواج ، ومتفرغة للعبادة الله .

وهذا الانقطاع والتفرّغ مقصود به : انشغال الجوارح والذهن والفكر في وقت الذكر بالله .

وقي الحديث الشريف : ( أوصاني ربي بتسع : الإخلاص لله في السر والعلن ، والقصد في الغنى والفقر ، والعدل في الرضا والغضب ، وأن أعفو عمن ظلمني ، وأصل من قطعني ، وأعطى من حرمني ، وأن يكون صمتي فكرا ، ونطقى ذكرا ، ونظري عبرا ) .

وقد أمرنا الله تعالى بذكره وشكره وحسن عبادته ، ومن الدعاء : ( اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) .

وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا* وسبّحوه بكرة وأصيلا* هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما . ( الأحزاب : 41-43 ) .

ولعلّ ذلك أعون على تلقي الوحي والنهوض بشئون الرسالة .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

وتبتَّلْ إليه تبتيلا : انقطع إلى الله وأخلص إليه .

ثم انتقلَ بعد ذلك إلى أمرِ الرسول الكريم بتبليغ الدعوةِ والانقطاِع لذلك وتفويضِ أموره كلّها إليه :

{ واذكر اسم رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ً }

استعنْ على تبليغ دعوتك بذِكر الله ، وانقطعْ إليه في عبادَتِك وأمورك جميعها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

{ واذكر اسم ربك } بالتوحيد والتعظيم ، { وتبتل إليه تبتيلاً } قال ابن عباس وغيره : أخلص إليه إخلاصاً . وقال الحسن : اجتهد . وقال ابن زيد : تفرغ لعبادته . وقال سفيان : توكل عليه توكلاً . وقيل : انقطع إليه في العبادة انقطاعاً ، وهو الأصل في الباب ، يقال : تبتلت الشيء أي : قطعته وصدقه قولهم أتت بتة بتلة : أي مقطوعة عن صاحبها لا سبيل له عليها ، والتبتيل : التقطيع تفعيل ، منه يقال : بتلته فتبتل ، والمعنى : بتل إليك نفسك ، ولذلك قال : { تبتيلاً } قال زيد : التبتل رفض الدنيا وما فيها ، والتماس ما عند الله تعالى .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

فيه ثلاث مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " واذكر اسم ربك " أي ادعه بأسمائه الحسنى ، ليحصل لك مع الصلاة محمود العاقبة . وقيل : أي اقصد بعملك وجه ربك ، وقال سهل : اقرأ باسم الله الرحمن الرحيم في ابتداء صلاتك توصلك بركة قراءتها إلى ربك ، وتقطعك عما سواه{[15512]} . وقيل : اذكر اسم ربك في وعده ووعيده ، لتوفر على طاعته وتعدل عن معصيته . وقال الكلبي : صل لربك أي بالنهار .

قلت : وهذا حسن فإنه لما ذكر الليل ذكر النهار ؛ إذ هو قسيمه ، وقد قال الله تعالى : " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر " [ الفرقان : 62 ] على ما تقدم{[15513]} .

الثانية- قوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلا " التبتل : الانقطاع إلى عبادة الله عز وجل ؛ أي انقطع بعبادتك إليه ، ولا تشرك به غيره . يقال : بتلت الشيء أي قطعته ، ومنه قولهم : طلقها بتة بتلة ، وهذه صدقة بتة بتلة ، أي بائنة منقطعة عن صاحبها ، أي قطع ملكه عنها بالكلية ، ومنه مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى ، ويقال للراهب متبتل ؛ لانقطاعه عن الناس ، وانفراده بالعبادة ، قال :

تُضِيءُ الظَّلامَ بالعِشَاء كأنَّهَا *** مَنارةُ مُمْسَى راهبٍ مُتَبَتَّلِ{[15514]}

وفي الحديث النهي عن التبتل ، وهو الانقطاع عن الناس والجماعات . وقيل : إن أصله عند العرب التفرد ، قاله ابن عرفة . والأول أقوى لما ذكرنا . ويقال : كيف قال : تبتيلا ، ولم يقل تبتلا ؟ قيل له : لأن معنى تبتل بتل نفسه ، فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل .

الثالثة- قد مضى في ( المائدة ){[15515]} في تفسير قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " [ المائدة : 87 ] كراهة لمن تبتل وانقطع وسلك سبيل الرهبانية بما فيه كفاية . قال ابن العربي : وأما اليوم وقد مرجت عهود الناس ، وخفت أماناتهم ، واستولى الحرام على الحطام{[15516]} ، فالعزلة خير من الخلطة ، والعزبة أفضل من التأهل ، ولكن معنى الآية : انقطع عن الأوثان والأصنام وعن عبادة غير الله ، وكذلك قال مجاهد : معناه : أخلص له العبادة ، ولم يرد التبتل ، فصار التبتل مأمورا به في القرآن ، منهيا عنه في السنة ، ومتعلق الأمر غير متعلق النهي ، فلا يتناقضان ، وإنما بعث ليبين للناس ما نزل إليهم ، فالتبتل المأمور به : الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة ، كما قال تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين{[15517]} " [ البينة : 5 ] والتبتل المنهي عنه : هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والترهيب في الصوامع ، لكن عند فساد الزمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن .


[15512]:في أ، ح، ز، ط، "تهواه".
[15513]:راجع جـ 13 ص 65.
[15514]:البيت من معلقة امرئ القيس، ومعناه: إذا ابتسمت بالليل رأيت لثناياها بريقا وضوءا، وإذا برزت في الظلام استنار وجهها حتى يغلب ظلمة الليل. وممسى راهب: أي إمساؤه.
[15515]:راجع جـ 6 ص 261.
[15516]:حطام الدنيا: كل ما فيها من مال يفنى ولا يبقى.
[15517]:راجع جـ 20 ص 144.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا} (8)

ولما كان التقدير : فاجتهد في التهجد ، عطف عليه قوله حاثاً على {[69442]}حضور الفكر{[69443]} : { واذكر اسم ربك } أي المحسن إليك والموجد والمدبر لك بكل ما يكون ذكراً من اسم وصفة وثناء وخضوع وتسبيح وتحميد وصلاة وقراءة ودعاء وإقبال على علم شرعي وأدب مرعي ودم على ذلك ، فإذا عظمت الاسم بالذكر فقد عظمت المسمى بالتوحيد والإخلاص ، وذلك عون{[69444]} لك على مصالح الدارين ، أما الآخرة فواضح ، وأما الدنيا فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أعز الخلق عليه {[69445]}فاطمة ابنته{[69446]} رضي الله عنها لما سألته خادماً يقيها التعب إلى التسبيح والتحميد والتكبير عند النوم .

ولما كان الذكر قد يكون مع التعلق بالغير ، أعلم أن الذاكر{[69447]} في الحقيقة{[69448]} إنما هو المستغرق فيه سبحانه وبه يكون تمام العون فقال : { وتبتل } أي اجتهد في قطع نفسك عن كل شاغل ، والإخلاص في جميع أعمالها بالتدريج قليلاً قليلاً ، منتهياً : { إليه } ولا تزل على ذلك حتى يصير لك ذلك خلقاً فتكون نفسك كأنها منقطعة بغير قاطع ومقطعة تقطعياً كثيراً بكل قاطع ، فيكون التقدير - بما أرشد إليه المصدر " تبتلاً " وبتلها { تبتيلاً * } فأعلم بالتأكيد بالمصدر المرشد إلى الجمع بين التفعل والتفعيل بشدة{[69449]} الاهتمام وصعوبة المقام ، وهو من البتل وهو القطع ، صدقة {[69450]}بتلة{[69451]} أي مقطوعة عن صاحبها ، ولذلك قال زيد بن أسلم{[69452]} : التبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله تعالى ، والبتول مريم عليها السلام لانقطاعها إلى الله تعالى ، عن جميع خلقه ، وكذا فاطمة الزهراء البتول أيضاً{[69453]} لانقطاعها عن {[69454]}قرين ومثيل ونظير{[69455]} ، فالمراد بهذا{[69456]} هو المراد بكلمة التوحيد المقتضية للإقبال عليه والإعراض عن كل ما سواه ، وذلك بملازمة الذكر وخلع الهوى ، والآية من الاحتباك و{[69457]}هو ظاهر{[69458]} : ذكر فعل التبتل دليلاً على حذف مصدره ، وذكر مصدر بتل دليلاً على حذف فعله{[69459]} .


[69442]:من ظ و م، وفي الأصل: حصول التفكر.
[69443]:من ظ و م، وفي الأصل: حصول التفكر.
[69444]:من ظ و م، وفي الأصل: عونا.
[69445]:من ظ و م، وفي الأصل: ابنته فاطمة.
[69446]:من ظ و م، وفي الأصل: ابنته فاطمة.
[69447]:في م: بالحقيقة.
[69448]:في م: بالحقيقة.
[69449]:من ظ و م، وفي الأصل: لشدة.
[69450]:من ظ و م، وفي الأصل: بتبتيله.
[69451]:من ظ و م، وفي الأصل: بتبتيله.
[69452]:في المعالم 7/140:ابن زيد.
[69453]:زيدت الواو في م.
[69454]:من م، وفي الأصل: نظير وقرين، وفي ظ: قرين ونظير.
[69455]:من م، وفي الأصل: نظير وقرين، وفي ظ: قرين ونظير.
[69456]:من ظ و م، وفي الأصل: هذه.
[69457]:من ظ و م، وفي الأصل: ظاهره.
[69458]:من ظ و م، وفي الأصل: ظاهره.
[69459]:من ظ و م، وفي الأصل: فعل.