بعد ذلك يعرض نموذجا من نماذج الخيبة التي ينتهي إليها من يدسي نفسه ، فيحجبها عن الهدى ويدنسها . ممثلا هذا النموذج فيما أصاب ثمود من غضب ونكال وهلاك :
( كذبت ثمود بطغواها . إذ انبعث أشقاها . فقال لهم رسول الله : ناقة الله وسقياها . فكذبوه فعقروها . فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها . ولا يخاف عقباها ) . .
وقد وردت قصة ثمود ونبيها صالح - عليه السلام - في مواضع شتى من القرآن . وسبق الحديث عنها في كل موضع . وأقربها ما جاء في هذا الجزء في سورة " الفجر " فيرجع إلى تفصيلات القصة هناك .
فأما في هذا الموضع فهو يذكر أن ثمود بسبب من طغيانها كذبت نبيها ، فكان الطغيان وحده هو سبب التكذيب .
{ كذّبت ثمود بطغواها 11 إذ انبعث أشقاها 12 فقال لم رسول الله ناقة الله وسقياها 13 فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها 14 ولا يخاف عقباها 15 }
ثمود : قوم من العرب البائدة ، بعث الله إليهم نبيه صالحا عليه السلام .
هذا ملخص لقصة ثمود ، ذكرها القرآن بمناسبة أن الله ألهم كل نفس فجورها وتقواها ، وأن ثمود قد اختارت الفجور فأهلكها الله ، وفي هذا تحذير لأهل مكة ولكل باغ إلى يوم الدّين .
كذّبت ثمود نبيها ، وعصت ربها بسبب طغيانها وعتوّها ، وأنهم تجاوزوا الحد في الطغيان والكفر ، فطغيانهم حملهم على تكذيب رسولهم ، وتفضيل الكفر على الإيمان ، والضال على الهداية ، وقد يسّر الله لهم أسباب الهداية على لسان نبيهم ، وأكّد ذلك بمعجزة الناقة ، حيث تحلب لبنا سائغا للشاربين ، يكفي قبيلة ثمود من أولها إلى آخرها ، لكنهم بدل أن يشكروا هذه النعمة ، حملهم الطغيان على الكفر وقتل الناقة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ كذبت ثمود بطغواها } يعني الطغيان والشقاء حملها [ ثمود ] على التكذيب ، لأنه طغى عليهم الشقاء مرتين ، مرة بما كذبوا الله عز وجل ، وعموا عن الإيمان به ، والأخرى عقروا الناقة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
كذّبت ثمود بطغيانها ، يعني : بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام ، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم ، كما قال جلّ ثناؤه : "فأمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغيَة" ... عن ابن عباس ، في قول الله : "كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها" قال : اسم العذاب الذي جاءها ، الطّغْوَى ، فقال : كذّبت ثمود بعذابها ...
وقال آخرون : كذّبت ثمود بمعصيتهم الله ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك بأجمعها ...
وقيل "طَغْوَاها" بمعنى : طغيانهم ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ولم يبين لمن كذبوا ، وقد بينه في آية أخرى ، فقال : { كذبت ثمود المرسلين } [ الشعراء : 14 ] .
وقوله تعالى : { بطغواها } يحتمل وجهين :
أحدهما لأجل معصيتهم وطغيانهم ؛ إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم وتركهم التفكر في أمره ، وإلا لو تفكروا في ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجدوا موضع التكذيب .
والثاني : بأهل طغواها ، أي كذبت ثمود بسبب أهل الطغيان ، فيكون في هذه الآية أنهم لم يكذبوا رسولهم بشبهة اعترضت لهم أو بحجة كانت لهم ، بل كذبوه عن عناد منهم وتيقن برسالته ؛ وذلك أن نبيهم صالحا عليه السلام جاوزته الحجج ، لأنهم أوتوا الناقة على سؤال سبق منهم وعلى تعد منهم في السؤال على شيء يشيرون إليه ؛ فهم بإشارتهم إلى سؤال الناقة كانوا معتدين فيه .
ثم من حكمة الله أن الحجة إذا كانت على إثر السؤال ، ثم ظهر التكذيب من السائلين ، هي الاستئصال في الدنيا ، وقد وجد من أولئك القوم السؤال والتكذيب ، فعوقبوا بالاستئصال . قال الله تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة } [ الإسراء : 59 ] فبين الله تعالى المعنى الذي لم يرسل الآيات التي سألت الكفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنهم لما أوتوا ، ثم عندوا ، استؤصلوا ؛ فقد أراد الله تعالى إبقاء أمته إلى أن تقوم الساعة ، وأرسله رحمة للعالمين ، وجعل حجته من وجه فيها رحمة للعالمين...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
بعد ذلك يعرض نموذجا من نماذج الخيبة التي ينتهي إليها من يدسي نفسه ، فيحجبها عن الهدى ويدنسها . ممثلا هذا النموذج فيما أصاب ثمود من غضب ونكال وهلاك ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
قدمت هذه الآيات مصداقاً تاريخياً واضحاً لهذه السنّة الإلهية ، وتحدثت عن مصير قوم «ثمود » بعبارات قصيرة قاطعة ذات مدلول عميق . «الطغوى » و«الطغيان » بمعنى واحد وهو تجاوز الحد ، وفي الآية تجاوز الحدود الإلهية والعصيان أمام أوامره . «قوم ثمود » من أقدم الأقوام التي سكنت منطقة جبلية بين «الحجاز » و«الشام » . كانت لهم حياة رغدة مرفهة ، وأرض خصبة ، وقصور فخمة ، غير أنّهم لم يؤدوا شكر هذه النعم ، بل طغوا وكذبوا نبيّهم صالحاً ، واستهزأوا بآيات اللّه ، فكان عاقبة أمرهم أن أبيدوا بصاعقة سماوية . ...
ولما كان السياق للترهيب بما دلت عليه سورة البلد وتقديم الفجور هنا ، وكان الترهيب أحث على الزكاء ، قال دالاًّ على خيبة المدسي ليعتبر به من سمع خبره لا سيما إن كان يعرف أثره : { كذبت ثمود } أنث فعلهم لضعف أثر تكذيبهم لأن كل سامع له يعرف ظلمهم فيه لوضوح آيتهم وقبيح غايتهم ، وما لهم بسفول الهمم وقباحة الشيم ، وخصهم لأن آيتهم مع أنها كانت أوضح الآيات في نفسها هي أدلها على الساعة ، وقريش وسائر العرب عارفون بهم لما يرون من آثارهم ، ويتناقلون من أخبارهم { بطغواها * } أي أوقعت التكذيب لرسولها بكل ما أتى به عن الله تعالى بسبب ما كان لنفوسهم من وصف الطغيان ، وهو مجاوزة القدر وارتفاعه والغلو في الكفر والإسراف في المعاصي والظلم ، أو بما توعدوا به من العذاب العاجل وهي الطاغية التي أهلكوا بها ، وطغى - واوي يائي يقال : طغى كدعا يطغو طغوى وطغواناً - بضمها كطغى يطغى ، وطغي كرضي طغياً وطغياناً - بالكسر والضم ، فالطغوى - بالفتح اسم ، وبالضم مصدر ، فقلبت الياء - على تقدير كونه يائياً - واواً للتفرقة بين الاسم والصفة ، واختير التعبير به دون اليائي لقوة الواو ، فأفهم أنهم بلغوا النهاية في تكذيبهم ، فكانوا على الغاية من سوء تعذيبهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.