اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ} (11)

قوله : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } . في هذه الباء ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها للاستعانة مجازاً ، كقولك : «كتبت بالقلم » ، وبه بدأ الزمخشري{[60302]} ، يعني فعلت التكذيب بطغيانها ، كقولك : ظلمني بجرأته على الله تعالى .

والثاني : أنها للتعدية ، أي كذبت بما أوعدت به من عذابها ذي الطغيان ، كقوله تعالى : { فَأُهْلِكُواْ بالطاغية } [ الحاقة : 5 ] قال ابن عباس - رضي الله عنه - : وكان اسم العذاب الذي جاءها الطغوى ، لأنه طغى عليهم{[60303]} . قال ابن الخطيب{[60304]} : وهذا لا يبعد لأن الطغيان مجاوزة [ الحد فسمي عذابهم طغوا لأنه كالصيحة مجاوزة ]{[60305]} للقدر المعتاد .

والثالث : أنها للسببية ، أي : بسبب طغيانها ، وهو خروجها عن الحدّ في العصيان قاله مجاهد وقتادة وغيرهما .

وقال محمد بن كعب : بأجمعها{[60306]} .

وقيل : مصدر ، وخرج على هذا المخرج ، لأنه أشكل برءوس الآي .

وقيل : إن الأصل «بطُغيانِهَا » إلا أن «فُعلَى » إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واو ليفصل بين الاسم والوصف .

وقرأ العامة : «بطغواها » بفتح الطاء ، وهو مصدر بمعنى الطغيان ، وإنما قلبت الياء واواً لما تقدم ، من الفرق بين الاسم والصفة ، يعني أنهم يقرون ياء «فَعْلى » - بالفتح - صفة ، نحو جريا ، وصديا ، ويقلبونها في الاسم ، نحو «تَقْوى ، وشَرْوى » ، وكان الإقرار في الوصف ، لأنه أثقل من الاسم والياء أخف من الواو ، فلذلك جعلت في الأثقل .

وقرأ الحسن ومحمد{[60307]} بن كعب والجحدري ، وحماد : بضم الطاء ، وهو أيضاً مصدر ، كالرُّجعى والحسنى ، إلا أن هذا شاذ ، إذ كان من حقه بقاء الياء على حالها ، كالسُّقيا ، وبابها ، وهذا كله عند من يقول : «طغيت طغياناً » بالياء ، فأما من يقول : «طغوت » بالواو فالواو أصل عنده . قاله أبو البقاء{[60308]} ، وقد تقدم الكلام على اللغتين في البقرة .


[60302]:الكشاف 4/760.
[60303]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/605) عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/602) وعزاه للطبري.
[60304]:ينظر: الفخر الرازي 31/176.
[60305]:سقط من: ب.
[60306]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/605) عن محمد بن كعب وينظر تفسير الماوردي (6/285) والقرطبي (20/52).
[60307]:ينظر: الكشاف 4/760، والمحرر الوجيز 5/498، والبحر المحيط 8/475، والدر المصون 6/532.
[60308]:الأملاء 2/288.