الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ} (11)

قوله : { بِطَغْوَاهَآ } : في هذه الباء ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنها للاستعانةِ مجازاً ، كقولِه : " كتبتُ بالقلمِ " وبه بدأ الزمخشري ويعني فَعَلَتِ التكذيبَ بطُغْيانها ، كقولك : " ظلمَني بجُرْأتِه على الله تعالى " الثاني : أنها للتعدية ، أي : كَذَبَتْ بما أُوْعِدَتْ به مِنْ عذابها ذي الطُّغيان ، كقولِه تعالى { فَأُهْلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ } [ الحاقة : 5 ] . والثالث : أنها للسببية ، أي : بسبب طُغْيانِها .

وقرأ العامَّةُ " طَغْواها " بفتح الطاءِ وهو مصدرٌ بمعنى الطُّغيان ، وإنما قُلِبَتْ الياءُ واواً فَرْقاً بين الاسمِ والصفةِ ، يعني ، أنهم يُقِرُّون ياءَ فَعْلى بالفتح صفةً نحو : خَزْيا وصَدْيا ، ويَقْلبونها في الاسم نحو : تَقْوى وشَرْوى ، وكان الإِقرارُ في الوصفِ لأنه أثقلُ مِنْ الاسمِ ، والياءُ أخفُّ من الواوِ ، فلذلك جُعِلت في الأثقل .

وقرأ الحسن ومحمد بن كعب وحماد بضم الطاء ، وهو أيضاً مصدرٌ كالرُّجْعى والحُسْنى ، إلاَّ أنَّ هذا شاذ إذ كان مِنْ حَقِّه بقاءُ الياءِ على حالِها كالسُّقْيا وبابها ، هذا كلُّه عند مَنْ يقول : طَغَيْتُ طُغْياناً بالياءِ ، فأمَّا مَنْ يقول : طَغَوْت بالواو فالواوُ أصلٌ عنده ، قاله ابو البقاء ، وقد تقدَّم الكلامُ على اللغتين في البقرة والله الحمدُ .