التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ بِطَغۡوَىٰهَآ} (11)

إن كانت جملة { قد أفلح من زكاها } [ الشمس : 9 ] الخ معترضة كانت هذه جواباً للقسم باعتبار ما فرع عليها بقوله : { فدمدم عليهم ربهم بذنبهم } أي حقاً لقد كان ذلك لِذلك ، ولام الجواب محذوف تخفيفاً لاستطالة القسم ، وقد مثلوا لحذف اللام بهذه الآية وهو نظير قوله تعالى : { والسماء ذات البروج } إلى قوله : { قتل أصحاب الأخدود } [ البروج : 1 4 ] .

والمقصود : التعريض بتهديد المشركين الذين كذّبوا الرسول طغياناً هم يعلمونه من أنفسهم كما كذبت ثمود رسولهم طغياناً ، وذلك هو المحتاج إلى التأكيد بالقَسَم لأن المشركين لم يهتدوا إلى أن ما حل بثمود من الاستئصال كان لأجل تكذيبهم رسول الله إليهم ، فنبههم الله بهذا ليتدبروا أو لتنزيل علم من علم ذلك منهم منزلة الإِنكار لعدم جَرْي أمرهم على موجَب العلم ، فكأنه قيل : أقسم لَيصيبكم عذابٌ كما أصاب ثمود ، ولقد أصاب المشركين عذاب السيف بأيدي الذين عادَوْهم وآذوهم وأخرجوهم ، وذلك أقسى عليهم وأنكى .

فمفعول { كذبت } محذوف لدلالة قوله بعده : { فقال لهم رسول الله } والتقدير : كذبوا رسول الله .

وتقدم ذكْر ثمود ورسولهم صالح عليه السلام في سورة الأعراف .

وباء { بطغواها } للسببية ، أي كانت طغواها سبب تكذيبهم رسول الله إليهم .

والطغوى : اسم مصدر يقال : طغا طَغْوا وطُغياناً ، والطغيان : فرط الكِبر ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ويمدهم في طغيانهم يعمهون } في سورة البقرة ( 15 ) ، وفيه تعريض بتنظير مشركي قريش في تكذيبهم بثمود في أن سبب تكذيبهم هو الطغيان والتكبر عن اتباع من لا يرون له فضلاً عليهم : { وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] .