39- { ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } .
لن يخفف عنكم من العذاب ، ولا من الهوان النفسي في النار ، اشتراككم في العذاب مع بعضكم البعض ، لأن لكل منكم نصيبه الكامل في جهنم ، وله من البلاء نصيبه الأوفر ، ولا يجد الكافر السلوى في جهنم بعذاب غيره ، كما كان يحدث في الدنيا ، حيث إن المصيبة إذا عمت هانت .
جاء في التسهيل لعلوم التنزيل :
المراد أنه لا ينفعهم اشتراكهم في العذاب ، ولا يجدون راحة التأسي التي يجدها المكروب في الدنيا ، إذا رأى غيره قد أصابه مثل ما أصابه .
انظر قول الخنساء ترثي أخاها صخرا :
يذكرني طلوع الشمس صخرا *** وأذكره بكل مغيب شمس
كما في قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }
وقوله تعالى : { وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } أي : ولا ينفعكم يوم القيامة اشتراككم في العذاب ، أنتم وقرناؤكم وأخلاؤكم ، وذلك لأنكم اشتركتم في الظلم ، فاشتركتم في عقابه وعذابه .
ولن ينفعكم أيضا ، روح التسلي في المصيبة ، فإن المصيبة إذا وقعت في الدنيا ، واشترك فيها المعاقبون ، هان عليهم بعض الهون ، وتسلَّى بعضهم ببعض ، وأما مصيبة الآخرة ، فإنها جمعت كل عقاب ، ما فيه أدنى راحة ، حتى ولا هذه الراحة . نسألك يا ربنا العافية ، وأن تريحنا برحمتك .
{ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون } هذا كلام يقال للكفار في الآخرة ، ومعناه أنهم لا ينفعهم اشتراكهم في العذاب ولا يجدون راحة التأسي التي يجدها المكروب في الدنيا إذا رأى غيره قد أصابه مثل الذي أصابه ، والفاعل في ينفعكم قوله : { أنكم في العذاب مشتركون } ، وإذ ظلمتم : تعليل معناه بسبب ظلمكم ، وقيل : الفاعل مضمر ، وهو التبري الذي يقتضيه قوله : { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين } ، وأنكم على هذا تعليل ، والأول أرجح .
ولما كان الإيلام قد يؤذي الجسد ، وكان التقدير حتماً بما هدى إليه السياق فيقال لهم : فلن ينفعكم ذلك اليوم يوم جئتمونا إذ تمنيتم هذا التمني حين عاينتم تلك الأهوال اشتراككم اليوم في يوم الدنيا في الظلم وتمالؤكم عليه ومنافرة بعضكم لبعض ، عطف عليه قوله : { ولن ينفعكم اليوم } أي في الدنيا شيئاً من نفع أصلاً { إذ } حين { ظلمتم } حال كونكم مشتركين في الظلم متعاونين عليه متناصرين فيه ، وكل واحد منكم يقول لصاحبه سروراً به وتقرباً إليه وتودداً : يا ليت أنا لا نفترق أبداً فنعم القرين أنت ، فيقال لهم توبيخاً : { أنكم في العذاب } أي العظيم ، وقدمه اهتماماً بالزجر به والتخويف منه { مشتركون } أي اشتراككم فيه دائماً ظلمكم أنفسكم ظلماً باطناً بأمور أخفاها الطبع على القلوب وهو موجب للارتباك في أشراك المعاصي الموصلة إلى العذاب الظاهر يوم التمني ويوم القيامة عذاباً ظاهراً محسوساً ، وذلك كمن يجرح جراحة بالغة وهو مغمي عليه فهو معذب بها قطعاً ، ولكنه لا يحس إلا إذا أفاق فهو كما تقول لأناس يريدون أن يتمالؤوا على قتل نفس محرمة : لن ينفعكم اليوم إذ تتعاونون على قتله اشتراككم غداً في الهلاك بالسجن الضيق والضرب المتلف وضرب الأعناق ، مرادك بذلك زجرهم عن ظلمهم بتذكيرهم بأنهم يصلون إلى هذا الحال ويزول ما هم فيه من المناصرة فلا ينفعهم شيء منها - والله الموفق ، فالآية من الاحتباك ، وبه زال عنها ما كان من إعراب المعربين لها موجباً للارتباك " فيا ليت " - إلى آخره ، دال على تقدير ضده ثانياً " ولن ينفعكم " - إلى آخره ، دال على تقدير مثله أولاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.