ويلمس القلوب وهو يمتن عليها بالماء والجنات والحب والنخل والطلع : ( رزقا للعباد ) . . رزقا يسوق الله سببه ، ويتولى نبته ، ويطلع ثمره ، للعباد ، وهو المولى ، وهم لا يقدرون ولا يشكرون !
وهنا ينتهي بموكب الكون كله إلى الهدف الأخير :
( وأحيينا به بلدة ميتا . كذلك الخروج ) . .
فهي عملية دائمة التكرار فيما حولهم ، مألوفة لهم ؛ ولكنهم لا ينتبهون إليها ولا يلحظونها قبل الاعتراض والتعجيب . . كذلك الخروج . . على هذه الوتيرة ، وبهذه السهولة . . الآن يقولها وقد حشد لها من الإيقاعات الكونية على القلب البشري ذلك الحشد الطويل الجميل المؤثر الموحي لكل قلب منيب . . وكذلك يعالج القلوب خالق القلوب . .
كذلك الخروج : مثل ذلك خروجكم للبعث من قبوركم .
11- { رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج } .
أنبتنا كل ذلك رزقا للعباد ، ونفعا لهم وتيسيرا لحياتهم ، وأحيينا بهذا الماء أرضا ميتة ، جعلناها تهتز وترتفع بالنبات ، وتثمر من كل زوج بهيج ، وكما أحيا الله الأرض بعد موتها بالماء فإنه سبحانه بقدرته يبعث الإنسان ويحييه بعد الموت .
والآيات لوحة هادفة في منظرها ونظامها وإبداعها ، وقد ذكر الإمام الرازي أن الله تعالى ذكر في كل آية ثلاثة أمور متناسبة :
ففي آية السماء ذكر البناء والتزيين وسد الفروج ، وفي آية الأرض ذكر المد وإلقاء الرواسي والإنبات فيها ، وكل واحد هنا في مقابلة واحد مما سبق ، فالمد في مقابلة البناء ، لأن المد وضع ، والبناء رفع ، والرواسي في الأرض ثابتة ، والكواكب مركوزة مزينة للسماء ، والإنبات في الأرض شقها ، في مقابل أن السماء سقف ليس به شقوق ، وفي آية المطر إنبات الجنات والحب والنخل ، وهذه الأمور الثلاثة إشارة إلى الأجناس الثلاثة ، وهي ما له أصل ثابت يستمر مكثه في الأرض سنين وهو النخيل ، وما ليس له أصل ثابت مما لا يطول مكثه في الأرض وهو الحب الذي يتجدد كل سنة ، وما يجتمع فيه الأمران وهو البساتين ، وهذه الأنواع تشمل مختلف الثمار والزروع .
" رزقا للعباد " أي رزقناهم رزقا ، أو على معنى أنبتناها رزقا ؛ لأن الإنبات في معنى الرزق ، أو على أنه مفعول له أي أنبتناها لرزقهم ، والرزق ما كان مهيأ للانتفاع به . وقد تقدم القول فيه{[14154]} . " وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج " أي من القبور أي كما أحيا الله هذه الأرض الميتة فكذلك يخرجكم أحياء بعد موتكم ، فالكاف في محل رفع على الابتداء . وقد مضى هذا المعنى في غير موضع{[14155]} . وقال " ميتا " لأن المقصود المكان ولو قال ميتة لجاز .
قوله : { رزقا للعباد } { رزقا } منصوب لوجهين : لكونه مفعولا له . ولكونه مصدرا{[4314]} أي أنبتنا ذلك رزقا لهم . أو أنبتناه لرزقهم فينتفعون به { وأوحينا به بلدة ميتا } يعني أحيى الله بماء السماء والأرض بعد جدبها وقحوطها فأنبت فيها الزرع والثمر .
قوله : { كذلك الخروج } الكاف في محل رفع على الابتداء ، أي كما أحيينا هذه البلدة الميتة بالمطر كذلك تخرجون أحياء بعد موتكم {[4315]} وذلك برهان من الله ظاهر للعيان ، يدركه كل ذي عقل ونظر . وهو أن محيي الأرض بالزرع والخضرة والحياة بعد قحطها ويبسها ، لهو الذي يحيي العظام وهي رميم ليبعث الناس من قبورهم يوم الحساب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.