في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

71

( قال موسى : أتقولون للحق لما جاءكم . أسحر هذا ? ولا يفلح الساحرون ) . .

وقد حذف من استنكار موسى الأول ما دل عليه الثاني . فكأنه قال لهم : أتقولون للحق لما جاءكم : هذا سحر ? أسحر هذا ? وفي السؤال الأول استنكار لوصف الحق بالسحر ، وفي السؤال الثاني تعجيب من أن يقول أحد عن هذا إنه سحر . فالسحر لا يستهدف هداية الناس ، ولا يتضمن عقيدة ، وليس له فكرة معينة عن الألوهية وعلاقة الخلق بالخالق ؛ ولا يتضمن منهاجاً تنظيمياً للحياة . فما يختلط السحر بهذا ولا يلتبس . وما كان الساحرون ليؤدوا عملاً يستهدف مثل هذه الأغراض ، ويحقق مثل هذا الاتجاه ؛ وما كانوا ليفلحوا وكل عملهم تخييل وتزييف .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا جَآءَهُمُ الْحَقّ مِنْ عِندِنَا قَالُوَاْ إِنّ هََذَا لَسِحْرٌ مّبِينٌ * قَالَ مُوسَىَ أَتقُولُونَ لِلْحَقّ لَمّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هََذَا وَلاَ يُفْلِحُ السّاحِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فَلَمّا جاءَهُم الحَقّ مِنْ عِنْدِنا يعني : فلما جاءهم بيان ما دعاهم إليه موسى وهارون ، وذلك الحجج التي جاءهم بها ، وهي الحقّ الذي جاءهم من عند الله قالُوا إنّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ يعنون : أنه يبين لمن رآه وعاينه أنه سحر لا حقيقة له . قالَ مُوسَى لهم : أتَقُولُونَ للْحَقّ لَمَا جَاءكُمْ من عند الله : أسحْرُ هَذَا ؟ .

واختلف أهل العربية في سبب دخول ألف الاستفهام في قوله : أسِحْرٌ هَذَا ، فقال بعض نحويي البصرة : أدخلت فيه على الحكاية لقولهم لأنهم قالوا : أسحر هذا ؟ فقال : أتقولون : أسحر هذا ؟ وقال بعض نحويي الكوفة : إنهم قالوا هذا سحر ، ولم يقولوه بالألف ، لأن أكثر ما جاء بغير ألف . قال : فيقال : فلم أدخلت الألف ؟ فيقال : قد يجوز أن تكون من قيلهم وهم يعلمون أنه سحر ، كما يقول الرجل للجائزة إذا أتته : أحقّ هذا ؟ وقد علم أنه حقّ . قال : قد يجوز أن تكون على التعجب منهم : أسحر هذا ، ما أعظمه

وأولى ذلك في هذا بالصواب عندي أن يكون المقول محذوفا ، ويكون قوله : أسِحْرٌ هَذَا من قيل موسى منكرا على فرعون وملئه قولهم للحقّ لما جاءهم سحر ، فيكون تأويل الكلام حينئذ : قال موسى لهم : أتَقُولُونَ للحَقّ لما جاءَكُمْ وهي الاَيات التي أتاهم بها من عند الله حجة له على صدقه ، سحر ، أسحر هذا الحقّ الذي ترونه ؟ فيكون السحر الأوّل محذوفا اكتفاء بدلالة قول موسى أسِحْرٌ هَذَا على أنه مراد في الكلام ، كما قال ذو الرمّة :

فَلَمّا لَبِسْنَ اللّيْلَ أوْ حِينَ نَصّبَتْ *** لهُ من خَذَا آذَانها وَهْوَ جانِحُ

يريد : «أو حين أقبل » ، ثم حذف اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، وكما قال جلّ ثناؤه : فإذَا جاءَ وَعْد الاَخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ والمعنى : بعثناهم ليسوؤا وجوهكم ، فترك ذلك اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، في أشباه لما ذكرنا كثيرة يُتعب إحصاؤها . وقوله : ولا يُفْلِحُ السّاحِرُونَ يقول : ولا ينجح الساحرون ولا يبقون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ مُوسَىٰٓ أَتَقُولُونَ لِلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمۡۖ أَسِحۡرٌ هَٰذَا وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّـٰحِرُونَ} (77)

جملة : { قال موسى } مجاوبة منه عن كلامهم ففُصلت من العطف على الطريقة التي استخرجناها في حكاية الأقوال ، كما تقدم في قوله تعالى : { وإذ قال ربك للملائكة ، إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] ، ونظائره الكثيرة . تولى موسى وحده دون هارون مجادلتهم لأنه المباشر للدعوة أصالة ، ولأن المعجزات ظهرت على يديه .

واستفهام { أتقولون } إنكاري . واللام في { للحق } لام التعليل . وبعضهم يسميها لام البيان . وبعضهم يسميها لام المجاوزة بمعنى ( عن ) .

وجملة : { أسحر هذا } مستأنفة للتوبيخ والإنكار ، أنكر موسى عليهم وصفهم الآيات الحق بأنها سحر . والإشارة تفيد التعريض بجهلهم وفساد قولهم ، بأن الإشارة إلى تلك الآيات كافية في ظهور حقيقتها وأنها ليست من السحر في شيء . ولذلك كان مفعول { أتقولون } محذوفاً لدلالة الكلام عليه وهو { إنّ هذا لسحر مبين } فالتقدير : أتقولون هذا القول للحق لمَّا جاءكم . وقريب منه قوله تعالى : { قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قُلتم } [ آل عمران : 183 ] وقوله : { بَيَّت طائفة منهم غير الذي تقول } [ النساء : 81 ] .

ولما نفى موسى عن آيات الله أن تكون سحراً ارتقى فأبان لهم فساد السحر وسوء عاقبة معالجيه تحقيراً لهم ، لأنهم كانوا ينوّهون بشأن السحر . فجملة : { ولا يفلح الساحرون } معطوفة على جملة : { أسحر هذا } .

فالمعنى : هذا ليس بسحر وإنما أعلم أن الساحر لا يفلح ، أي لو كان ساحراً لما شنع حال الساحرين ، إذ صاحب الصناعة لا يحقر صناعته لأنه لو رآها محقرة لما التزمها .