في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَفَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ وَكُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (31)

ثم نلقي بأبصارنا - من خلال الكلمات - إلى الفريق الآخر . فماذا نحن واجدون ? إنه التأنيب الطويل ، والتشهير المخجل ، والتذكير بشر الأقوال والأعمال :

( وأما الذين كفروا . أفلم تكن آياتي تتلى عليكم ، فاستكبرتم ، وكنتم قوماً مجرمين ? وإذا قيل : إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها . قلتم : ما ندري ما الساعة ! إن نظن إلا ظنا ، وما نحن بمستيقنين ) !

فالآن كيف ترون الحال ? ! وكيف تذوقون اليقين ? !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَفَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ وَكُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَمّا الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىَ عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مّجْرِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وأما الذين جحدوا وحدانية الله ، وأبوا إفراده في الدنيا بالألوهة ، فيقال لهم : ألم تكن آياتي في الدنيا تُتلى عليكم .

فإن قال قائل : أو ليست أمّا تجاب بالفاء ، فأين هي ؟ فإن الجواب أن يقال : هي الفاء التي في قوله أفَلَمْ . وإنما وجه الكلام في العربية لو نطق به على بيانه ، وأصله أن يقال : وأما الذين كفروا ، فألم تكن آياتي تتلى عليكم ، لأن معنى الكلام : وأما الذين كفروا فيقال لهم ألم ، فموضع الفاء في ابتداء المحذوف الذي هو مطلوب في الكلام ، فلما حُذفت يقال : وجاءت ألف استفهام ، حكمها أن تكون مبتدأة بها ، ابتدىء بها ، وجعلت الفاء بعدها ، وقد تُسقط العرب الفاء التي هي جواب «أما » في مثل هذا الموضع أحيانا إذا أسقطوا الفعل الذي هو في محل جواب أمّا كما قال جلّ ثناؤه : " فأمّا الّذِينَ اسْوَدّتْ وُجُوهُهُمْ أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكُمْ " فحذفت الفاء ، إذ كان الفعل الذي هو في جواب أمّا محذوفا ، وهو فيقال ، وذلك أن معنى الكلام : فأما الذين اسودّت وجوههم فيقال لهم : أكفرتم ، فلما أسقطت ، يقال الذي به تتصل الفاء سقطت الفاء التي هي جواب أمّا .

وقوله : فاسْتَكْبَرْتُمْ يقول : فاستكبرتم عن استماعها والإيمان بها وكُنْتُمْ قَوْما مُجْرِمِينَ يقول : وكنتم قوما تكسبون الآثام والكفر بالله ، لا تصدّقون بمعاد ، ولا تؤمنون بثواب ولا عقاب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَفَلَمۡ تَكُنۡ ءَايَٰتِي تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱسۡتَكۡبَرۡتُمۡ وَكُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (31)

وافتتح بيان حال الذين كفروا بما يقال لهم من التوبيخ والتقرير من قِبَل الله تعالى ، فقوله : { أفلم تكن آياتي } مقول قول محذوف لظهور أن ذلك خطاب صادر من متكلم من جانب الله تعالى فيقدر فيقال لهم على طريقة قوله بعد { وقيل اليوم ننساكم } [ الجاثية : 34 ] . والفاء جواب { أمّا } ، أو فيقال لهم { أفلم تكن آياتي تتلى عليكم } فلما حذف فعل القول قُدم حرف الاستفهام على فاء الجواب اعتداداً باستحقاقه التصديرَ كما يُقدم الاستفهام على حروف العطف . ولم يتعدّ بالمحذوف لأن التقديم لدفع الكراهة اللفظية من تأخر الاستفهام عن الحرف وهي موجُودة بعد حذف ما حُذف .

والاستفهام توبيخ وتقرير . والمراد بالآيات القرآن ، أي فاستكبرتم على الأخذ بها ولم تقتصروا على الاستكبار بل كنتم قوماً مجرمين ، أي لم تفدكم مواعظ القرآن صلاحاً لأنفسهم بما سمعتم منه . وإقحام { قوماً } دون الاقتصار على : وكنتم مجرمين ، للدلالة على أن الإجرام صار خُلقاً لهم وخالط نفوسهم حتى صار من مقومات قوميتهم وقد قدمناه غير مرة .