ووراء هذه الانبعاثات والإشراقات والاستقبالات ما في القمر ، وما في الليل ، وما في الصبح من حقيقة عجيبة هائلة يوجه القرآن إليها المدارك ، وينبه إليها العقول . ومن دلالة على القدرة المبدعة والحكمة المدبرة ، والتنسيق الإلهي لهذا الكون ، بتلك الدقة التي يحير تصورها العقول .
ويقسم الله سبحانه بهذه الحقائق الكونية الكبيرة لتنبيه الغافلين لأقدارها العظيمة ، ودلالاتها المثيرة . يقسم على أن( سقر )أو الجنود التي عليها ، أو الآخرة وما فيها ، هي إحدى الأمور الكبيرة العجيبة المنذرة للبشر بما وراءهم من خطر :
إنها لأحدى الكبر ، نذيرا للبشر . .
والقسم ذاته ، ومحتوياته ، والمقسم عليه بهذه الصورة . . كلها مطارق تطرق قلوب البشر بعنف وشدة ، وتتسق مع النقر في الناقور ، وما يتركه من صدى في الشعور . ومع مطلع السورة بالنداء الموقظ : ( يا أيها المدثر )والأمر بالنذارة : ( قم فأنذر ) . . فالجو كله نقر وطرق وخطر ! !
وقوله : نَذِيرا للْبَشَرِ يقول تعالى ذكره : إن النار لإحدى الكبر ، نذيرا لبني آدم .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله نَذِيرا للْبَشَر ، وما الموصوف بذلك ، فقال بعضهم : عُنِيَ بذلك النار ، وقالوا : هي صفة للهاء التي في قوله «إنها » وقالوا : هي النذير فعلى قول هؤلاء النذير نصب على القطع من إحدى الكبر ، لأن إحدى الكبر معرفة ، وقوله نَذِيرا نكرة ، والكلام قد يحسُن الوقوف عليه دونه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : والله ما أُنذر الناسُ بشيء أدهي منها ، أو بداهية هي أدهي منها .
وقال آخرون : بل ذلك من صفة الله تعالى ، وهو خبر من الله عن نفسه ، أنه نذير لخلقه وعلى هذا القول يجب أن يكون نصب قوله نَذِيرا على الخروج من جملة الكلام المتقدّم ، فيكون معنى الكلام : وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرا للبشر يعني : إنذارا لهم فيكون قوله : نَذِيرا بمعنى إنذارا لهم كما قال : «فَكَيْفَ كانَ نَذِيرِ » بمعنى إنذاري ويكون أيضا بمعنى : إنها لإحدى الكُبَر صيرنا ذلك كذلك نذيرا ، فيكون قوله : إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ مؤدّيا عن معنى صيرنا ذلك كذلك ، وهذا المعنى قصد من قال ذلك إن شاء الله . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل ، عن أبي رزين إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ قال : جهنم نَذِيرا للْبَشَرِ يقول الله : أنا لكم منها نذير فاتقوها .
وقال آخرون : بل ذلك من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : نصب نذيرا على الحال مما في قوله «قم » ، وقالوا : معنى الكلام : قم نذيرا للبشر فأنذر . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : نَذِيرا للْبَشَرِ قال : الخلق ، قال : بنو آدم البشر ، فقيل له : محمد النذير ؟ قال : نعم ينذرهم .
وقوله تعالى : { نذيراً للبشر } قال الحسن بن أبي الحسن : لا نذير إذ هي من النار . وهذا القول يقتضي أن { نذيراً } حال من الضمير في { إنها } . أو من قوله { لإحدى } ، وكذلك أيضاً على الاحتمال في أن تكون { إنها } يراد بها قصة الآخرة وحال العالم ، وقال أبو رزين : الله جل ذكره هو النذير ، فهذا القول يقتضي أن { نذيراً } معمول الفعل تقديره : ليس نذيراً للبشر أو ادعوا نذيراً للبشر ، وقال ابن زيد محمد عليه السلام هو النذير : فهذا القول يقتضي أن { نذيراً } معمول لفعل . وهذا اختيار الخليل في هذه الآية ذكره الثعلبي قال : ولذلك يوصف به المؤنث ، وقرأ ابن أبي عبلة «نذيرٌ » بالرفع على إضمار هو .
وانتصب { نذيراً } على الحال من ضمير { إِنها } ، أي إنها لعُظمَى العظائم في حال إنذارها للبشر وكفى بها نذيراً .
والنذير : المُنذر ، وأصله وصف بالمصدر لأن { نذيراً } جاء في المصادر كما جاء النكير ، والمصدر إذا وصف به أو أخبر به يلزم الإِفرادَ والتذكيرَ ، وقد كثر الوصف ب ( النذير ) حتى صار بمنزلة الاسم للمُنذر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{نذيرا} يعني تذكرة {للبشر} يعني للعالمين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"نَذِيرا للْبَشَرِ "يقول تعالى ذكره: إن النار لإحدى الكبر، نذيرا لبني آدم واختلف أهل التأويل في معنى قوله "نَذِيرا للْبَشَر"، وما الموصوف بذلك؛
فقال بعضهم: عُنِيَ بذلك النار.
وقال آخرون: بل ذلك من صفة الله تعالى، وهو خبر من الله عن نفسه، أنه نذير لخلقه، فيكون معنى الكلام: وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة نذيرا للبشر يعني: إنذارا لهم فيكون قوله: نَذِيرا بمعنى إنذارا لهم كما قال: «فَكَيْفَ كانَ نَذِيرِ» بمعنى إنذاري، ويكون أيضا بمعنى: إنها لإحدى الكُبَر صيرنا ذلك كذلك نذيرا، فيكون قوله: "إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ" مؤدّيا عن معنى صيرنا ذلك كذلك، وهذا المعنى قصد من قال ذلك إن شاء الله. عن أبي رزين "إنّها لإَحْدَى الكُبَرِ" قال: جهنم "نَذِيرا للْبَشَرِ" يقول الله: أنا لكم منها نذير فاتقوها.
وقال آخرون: بل ذلك من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: معنى الكلام: قم نذيرا للبشر فأنذر.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فمنهم من صرف النذارة إلى سقر، ومنهم من صرفها إلى الرسول عليه السلام، ومنهم من قرأ بالياء، وصرفها إلى القرآن.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ووراء هذه الانبعاثات والإشراقات والاستقبالات ما في القمر، وما في الليل، وما في الصبح من حقيقة عجيبة هائلة يوجه القرآن إليها المدارك، وينبه إليها العقول. ومن دلالة على القدرة المبدعة والحكمة المدبرة، والتنسيق الإلهي لهذا الكون، بتلك الدقة التي يحير تصورها العقول.
ويقسم الله سبحانه بهذه الحقائق الكونية الكبيرة لتنبيه الغافلين لأقدارها العظيمة، ودلالاتها المثيرة. يقسم على أن (سقر) أو الجنود التي عليها، أو الآخرة وما فيها، هي إحدى الأمور الكبيرة العجيبة المنذرة للبشر بما وراءهم من خطر:
إنها لأحدى الكبر، نذيرا للبشر..
والقسم ذاته، ومحتوياته، والمقسم عليه بهذه الصورة.. كلها مطارق تطرق قلوب البشر بعنف وشدة، وتتسق مع النقر في الناقور، وما يتركه من صدى في الشعور. ومع مطلع السورة بالنداء الموقظ: (يا أيها المدثر) والأمر بالنذارة: (قم فأنذر).. فالجو كله نقر وطرق وخطر!!
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.