الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{نَذِيرٗا لِّلۡبَشَرِ} (36)

" نذيرا للبشر " يريد النار ، أي أن هذه النار الموصوفة " نذيرا للبشر " فهو نصب على الحال من المضمر في " إنها " قاله الزجاج . وذُكِّر ؛ لأن معناه معنى العذاب ، أو أراد ذات إنذار على معنى النسب ، كقولهم : امرأة طالق وطاهر . وقال الخليل : النذير : مصدر كالنكير ، ولذلك يوصف به المؤنث . وقال الحسن : والله ما أنذر الخلائق بشيء أدهى منها . وقيل : المراد بالنذير محمد صلى الله عليه وسلم ، أي قم نذيرا للبشر ، أي مخوفا لهم " فنذيرا " حال من " قم " في أول السورة حين قال : " قم فأنذر " [ المدثر : 2 ] قال أبو علي الفارسي وابن زيد ، وروي عن ابن عباس وأنكره الفراء . ابن الأنباري : وقال بعض المفسرين معناه " يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر " . وهذا قبيح ؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما . وقيل . هو من صفة الله تعالى . روى أبو معاوية الضرير : حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي رزين " نذيرا للبشر " قال : يقول الله عز وجل : أنا لكم منها نذير فاتقوها . و( نذيرا ) على هذا نصب على الحال ، أي " وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة " منذرا بذلك البشر . وقيل : هو حال من " هو " في قوله تعالى : " وما يعلم جنود ربك إلا هو " . وقيل : هو في موضع المصدر ، كأنه قال : إنذار للبشر . قال الفراء : يجوز أن يكون النذير بمعنى الإنذار ، أي أنذر إنذارا ، فهو كقوله تعالى : " فكيف كان نذير " أي إنذاري ، فعلى هذا يكون راجعا إلى أول السورة ، أي ( قم فأنذر ) أي إنذارا . وقيل : هو منصوب بإضمار فعل . وقرأ ابن أبي عبلة " نذير " بالرفع على إضمار هو . وقيل : أي إن القرآن نذير للبشر ، لما تضمنه من الوعد والوعيد .