تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{نَذِيرٗا لِّلۡبَشَرِ} (36)

الآية 36 : وقوله تعالى : { نذيرا للبشر } فمنهم من صرف النذارة إلى السقر ، ومنهم من صرفها إلى الرسول عليه السلام وهو كقوله تعالى : { وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا }[ الأحقاف : 12 ] فمنهم من قرأ بالتاء{[22695]} ، وصرفها إلى القرآن .

ثم الأصل أن ما خرج مخرج الأفعال مضافا إلى الأشياء اللاتي ليست لهن أفعال ، فهو يقتضي أمرين :

أحدهما : ذكر الأفعال[ التي ]{[22696]} يقع لديها مما لو لم تكن تلك الأشياء لم تحدث تلك الأفعال{[22697]} من غير أن تكون علة لها ، فنسبت إليها إذ صارت شيئا لحدوث تلك الأفعال{[22698]} ، وهو كقوله عز وجل : { وغرتهم الحياة الدنيا }[ الأنعام : 70 ] والحياة الدنيا لا تغر أحدا ، ولكنهم اغتروا بزينتها ، فنسب إليها الغرور لما كانت سببا لتغريرهم .

والثاني : أنها أنشئت على هيئة ، لو كانت من أهل التغرير لكانت تغر ، فنسب إليها{[22699]} الغرور لذلك .

وقال في قصة إبراهيم ، صلوات الله عليه وعلى نبينا : { رب إنهن أضللن كثيرا من الناس }[ إبراهيم : 36 ] والأصنام ليست ممن ينسب إليها الإضلال ، لأنها{[22700]} لا أفعال لها ، ولكن عبادها لما ضلوا[ بها ]{[22701]} نسب الإضلال إليها ، وهي أيضا على صورة ، لو كانت لها أفعال لكان يقع منها الإضلال : فنسب إليها الإضلال للوجهين اللذين ذكرناهما .

فكذلك النذارة أضيفت إلى النذر ههنا لأنه عند ذكرها تقع النذارة ، فأضيفت إليها كذلك ، أو خلقهن على هيئة ، لو كانت من أهل النذارة لكانت نذيرة ، والله أعلم .


[22695]:انظر معجم القراءات القرآنية ح7/263.
[22696]:من م، ساقطة من الأصل.
[22697]:في الأصل و م: الأحوال.
[22698]:في الأصل و م: الأحوال.
[22699]:في الأصل و م: إليه.
[22700]:في الأصل و م: لأنه.
[22701]:ساقطة من الأصل و م.