أنكر قيام الساعة أصلا ، وهبها قامت فسيجد هنالك الرعاية والإيثار ! أليس من أصحاب الجنان في الدنيا فلا بد أن يكون جنابه ملحوظا في الآخرة !
( وما أظن الساعة قائمة . ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ) !
إنه الغرور يخيل لذوي الجاه والسلطان والمتاع والثراء ، أن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى ! فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان ملحوظا !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَدَخَلَ جَنّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنّ أَن تَبِيدَ هََذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنّ السّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رّدِدتّ إِلَىَ رَبّي لأجِدَنّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً } .
يقول تعالى ذكره : هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب دَخَلَ جَنّتَهُ وهي بستانه وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وظلمه نفسه : كفره بالبعث ، وشكه في قيام الساعة ، ونسيانه المعاد إلى الله تعالى ، فأوجب لها بذلك سخط الله وأليم عقابه . وقوله : قالَ ما أظُنّ أنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبَدا يقول جلّ ثناؤه : قال لما عاين جنته ، ورآها وما فيها من الأشجار والثمار والزروع والأنهار المطردة شكا في المعاد إلى الله : ما أظنّ أن تبيد هذه الجنة أبدا ، ولا تفنى ولا تخْرب ، وما أظنّ الساعة التي وعد الله خلقه الحشر فيها تقول فتحدث ، ثم تمنى أمنية أخرى على شكّ منه ، فقال : وَلَئِنَ رُدِدْتُ إلى رّبي فرجعت إليه ، وهو غير موقن أنه راجع إليه لأَجِدَنّ خَيْرا مِنْها مُنْقَلَبا يقول : لأجدنّ خيرا من جنتي هذه عند الله إن رددت إليه مرجعا ومردّا ، يقول : لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلا ولى عنده أفضل منها في المعاد إن رددت إليه . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَما أظُنّ السّاعَةَ قائِمَةً قال : شكّ ، ثم قال : وَلَئِنْ كان ذلك ثم رُدِدْتُ إلى رَبّي لأَجِدَنّ خَيْرا مِنْها مُنْقَلَبا ما أعطاني هذه إلا ولي عنده خير من ذلك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَدَخَلَ جَنّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لَنَفْسِهِ قالَ ما أظُنّ أنْ تَبِيدَ هَذِهِ أبَدا وَما أظُنّ السّاعة قائمَةً كفور لنعم ربه ، مكذّب بلقائه ، متمنّ على الله .
ثم قاس أيضاً الآخرة على الدنيا ، وظن أنه لم يمل{[1]} له في دنياه إلا لكرامة يستوجبها في نفسه ، قال : فإن كان ثم رجوع كما يزعم فستكون حالي كذا وكذا ، وليست مقالة العاصي بن وائل لخباب على حد هذه ، بل قصد العاصي الاستخفاف على جهة التصميم على التكذيب وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وابن الزبير ، وثبت في مصاحف المدينة «منهما » يريد الجنتين المذكورتين أولاً ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والعامة ، وكذلك هو مصحف أهل البصرة «منها » يريد الجنة المدخولة .
انتقل من الإخبار عن اعتقاده دوامَ تلك الجنة إلى الإخبار عن اعتقاده بنفي قيام الساعة .
ولا تلازم بين المعتقَدَيْن . ولكنه أراد التورك على صاحبه المؤمن تخطئة إياه ، ولذلك عقب ذلك بقوله : { ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً } تهكماً بصاحبه . وقرينة التهكم قوله : { وما أظن الساعة قائمة } . وهذا كقول العاصي بن وائل السهمي لخباب بن الأرت « ليكونن لي مال هنالك فأقضيكَ دينك منه » .
وأكد كلامه بلام القسم ونون التوكيد مبالغة في التهكم .
وانتصب { منقلباً } على تمييز نسبة الخبر . والمنقلب : المكان الذي يُنقلب إليه ، أي يُرجع .
وضمير { منهما } للجنتين عوداً إلى أول الكلام تفننا في حكاية كلامه على قراءة الجمهور { منهما } بالتثنية ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف منها } بالإفراد جرياً على قوله : { ودخل جنته } وقولهِ : { أن تبيد هذه } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.