اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةٗ وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهَا مُنقَلَبٗا} (36)

{ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً } .

قال أهل المعاني : لما أذاقه حسنها وزهوتها ، توهَّم أنها لا تفنى أبداً مطلقاً ، { وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً } فجمع بين كفرين .

الأول : قطعه بأنَّ تلك الأشياء لا تبيدُ أبداً .

والثاني : إنكار البعث .

فإن قيل : هب أنَّه شكَّ في القيامة ، فكيف قال : ما أظنُّ أن تبيد هذه أبداً ، مع أنَّ الحسَّ يدلُّ على أنَّ أحوال الدنيا بأسرها ذاهبةٌ غير باقية ؟ .

فالجواب : مراده أنَّها لا تبيد مدَّة حياته ، ثم قال : { وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } أي مرجعاً وعاقبة ، وانتصابه على التَّمييز ، ونظيره قوله تعالى : { وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى } [ فصلت : 50 ] .

وقوله : { لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً } [ مريم : 77 ] .

فإن قيل : كيف قال : ولَئِنْ رددت إلى ربي وهو ينكرُ البعث{[21064]} ؟ .

فالجواب : معناه : ولئنْ رددتُّ إلى ربِّي على زعمكَ ، يعطيني هنالك خيراً منها .

والسَّبب في وقوعه في هذه الشُّبهة أنَّه تعالى لمَّا أعطاه المال والجاه في الدنيا ، ظنَّ أنه إنَّما أعطاه ذلك ؛ لكونه مستحقًّا له ، والاستحقاقُ باقٍ بعد الموت ؛ فوجب حصول الإعطاء ، والمقدِّمة الأولى كاذبةٌ ؛ فإن فتح باب الدنيا على الإنسان ، يكون في أكثر الأمر للاستدراج{[21065]} .

وقرأ{[21066]} أبو عمرو والكوفيون " مِنْهَا " بالإفراد ؛ نظراً إلى أقرب مذكورٍ ، وهو قوله : " جنَّتهُ " وهي في مصاحف العراق ، دون ميم ، والباقون " مِنْهُما " بالتثنية ؛ نظراً إلى الأصل في قوله : " جَنَّتيْنِ " و " كِلتَا الجنَّتيْنِ " ورُسِمَتْ في مصاحفِ الحرمينِ والشَّام بالميم ، فكل قد وافق رسم مصحفه .


[21064]:ينظر: معالم التنزيل 3/162.
[21065]:ينظر: الفخر الرازي 21/107.
[21066]:ينظر: السبعة 390، والتيسير 143، والنشر 2/311، والحجة 417، والحجة للقراء السبعة 5/144، والقرطبي 10/262، والبحر 6/120.