في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ كُلّٞ مُّتَرَبِّصٞ فَتَرَبَّصُواْۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (135)

99

وعندما يصل السياق إلى تصوير المصير المحتوم الذي ينتظرهم يؤمر الرسول [ ص ] أن ينفض يده منهم ، فلا يشقى بهم ، ولا يكربه عدم إيمانهم ، وأن يعلن إليهم أنه متربص بهم ذلك المصير ، فليتربصوا هم كيف يشاءون :

( قل : كل متربص فتربصوا . فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ) . .

بذلك تختم السورة التي بدأت بنفي إرادة الشقاء عن النبي [ ص ] من تنزيل القرآن ، وحددت وظيفة القرآن : ( إلا تذكرة لمن يخشى ) . . والختام يتناسق مع المطلع كل التناسق . فهو التذكرة الأخيرة لمن تنفعه التذكرة . وليس بعد البلاغ إلا انتظار العاقبة . والعاقبة بيد الله . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ كُلّٞ مُّتَرَبِّصٞ فَتَرَبَّصُواْۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (135)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ كُلّ مّتَرَبّصٌ فَتَرَبّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصّرَاطِ السّوِيّ وَمَنِ اهْتَدَىَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد : كلكم أيها المشركون بالله متربص يقول : منتظر لمن يكون الفلاح ، وإلى ما يؤول أمري وأمركم متوقف ينتظر دوائر الزمان ، فتربصوا يقول : فترقبوا وانتظروا ، فستعلمون من أهل الطريق المستقيم المعتدل الذي لا اعوجاج فيه إذا جاء أمر الله وقامت القيامة ، أنحن أم أنتم ؟ ومن اهتدى يقول : وستعلمون حينئذٍ من المهتدي الذي هو على سنن الطريق القاصد غير الجائر عن قصده منا ومنكم . وفي «مَن » من قوله : " فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أصحَابُ الصّراطِ السّوِيّ " ، والثانية من قوله : " وَمَنِ اهْتَدَى " وَجهان : الرفع ، وترك إعمال تعلمون فيهما ، كما قال جلّ ثناؤه : " لنَعْلَمَ أيّ الْحِزْبَيْنِ أحْصَى " والنصب على إعمال تعلمون فيهما ، كما قال جلّ ثناؤه : " وَااللّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ منَ المُصْلِحِ " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ كُلّٞ مُّتَرَبِّصٞ فَتَرَبَّصُواْۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (135)

ثم أمر الله تعالى نبيه أن يتوعدهم ويحملهم ونفسه على التربص وانتظار الفرج . و «التربص » التأني ، و { الصراط } الطريق . وقرأت فرقة «السوي »{[8190]} ، وقرأت فرقة «السوء »{[8191]}فكأن هذه القراءة قسمت الفريقين أي ستعلمون هذا من هذا وقرأت فرقة «السوَّي » بشد الواو وفتحها{[8192]} ، وقرأت فرقة «السُّوءى » بضم السين وهمزة على الواو على وزن فعلى{[8193]} ، و { اهتدى } معناه رشد .


[8190]:على وزن فعيل، أي: المستوي.
[8191]:أي: الوسط، وهي قراءة أبي مجاز، وعمران بن حدير.
[8192]:اختلف الأصول في ضبط هذه القراءة، وتداخلت الألفاظ فيها وفي القراءة التالية.
[8193]:قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: "على وزن فعلى، أنث لتأنيث الصراط، وهو مما يذكر ويؤنث".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ كُلّٞ مُّتَرَبِّصٞ فَتَرَبَّصُواْۖ فَسَتَعۡلَمُونَ مَنۡ أَصۡحَٰبُ ٱلصِّرَٰطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ} (135)

جواب عن قولهم { لولا يأتينا بآية من ربه } [ طه : 133 ] وما بينهما اعتراض . والمعنى : كل فريق متربص فأنتم تتربصون بالإيمان ، أي تؤخرون الإيمان إلى أن تأتيكم آية من ربّي ، ونحن نتربص أن يأتيكم عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، وتفرع عليه جملة { فتربصوا . ومادة الفعل المأمور به مستعملة في الدوام بالقرينة ، نحو { يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله } [ النساء : 136 ] ، أي فداوموا على تربصكم .

وصيغة الأمر فيه مستعملة في الإنذار ، ويسمى المتاركة ، أي نترككم وتربصَكم لأنا مؤمنون بسوء مصيركم . وفي معناه قوله تعالى : { فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون } [ السجدة : 30 ] . وفي ما يقرب من هذا جاء قوله { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون } [ التوبة : 52 ] .

وتنوين { كلّ تنوين عوض عن المضاف إليه المفهوم من المقام ، كقول الفضل بن عبّاس اللّهَبي :

كلّ له نِية في بُغض صاحبه *** بنعمة الله نقليكم وتقلونا

والتربص : الانتظار . تفعّل من الربْص ، وهو انتظار حصول حدث من خير أو شرّ ، وقد تقدّم في سورة براءة .

وفرع على المتاركة إعلامهم بأنهم يعلمون في المستقبل مَن مِن الفريقين أصحاب الصراط المستقيم ومن هم المهتدون . وهذا تعريض بأن المؤمنين هم أصحاب الصراط المستقيم المهتدون ، لأنّ مثل هذا الكلام لا يقوله في مقام المحاجّة والمتاركة إلا الموقن بأنه المحق . وفِعل ( تعلمون ) معلق عن العمل لوجود الاستفهام .

والصراط : الطريق . وهو مستعار هنا للدّين والاعتقاد ، كقوله { اهدنا الصراط المستقيم } [ الفاتحة : 6 ] .

والسوي : فعيل بمعنى مفعول ، أي الصراط المسَوّى ، وهو مشتق من التسوية .

والمعنى : يحتمل أنهم يعلمون ذلك في الدنيا عند انتشار الإسلام وانتصار المسلمين ، فيكون الذين يعلمون ذلك مَن يبقى من الكفار المخاطبين حين نزول الآية سواء ممن لم يسلموا مثل أبي جهل ، وصناديد المشركين الذين شاهدوا نصر الدين يوم بَدر ، أو من أسلموا مثل أبي سفيان ، وخالد بن الوليد . ومن شاهدوا عزّة الإسلام . ويحتمل أنهم يعلمون ذلك في الآخرة عِلم اليقين .

وقد جاءت خاتمة هذه السورة كأبلغ خواتم الكلام لإيذانها بانتهاء المحاجَة وانطواء بساط المقارعة .

ومن محاسنها : أن فيها شبيه رد العجز على الصدر لأنّها تنظر إلى فاتحة السورة . وهي قوله { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى } [ طه : 2 ] ، لأن الخاتمة تدل على أنه قد بلّغ كل ما بعث به من الإرشاد والاستدلال ، فإذا لم يهتدوا به فكفاه انثلاجَ صدره أنه أدى الرسالة والتذكرة فلم يكونوا من أهل الخشية فتركهم وضلالهم حتى يتبين لهم أنه الحق .