في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

63

فأما جزاء عباد الرحمن فيختم به هذا البيان :

( أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ، ويلقون فيها تحية وسلاما ، خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ) . .

والغرفة ربما كان المقصود بها الجنة ، أو المكان الخاص في الجنة ، كما أن الغرفة أكرم من البهو فيما اعتاد الناس في البيوت في هذه الأرض ، عندما يستقبلون الأضياف . وأولئك الكرام الذين سبقت صفاتهم وسماتهم ، يستقبلون في الغرفة بالتحية والسلام ، جزاء ما صبروا على تلك الصفات والسمات . وهو تعبير ذو دلالة . فهذه العزائم تحتاج إلى الصبر على شهوات النفس ، ومغريات الحياة ، ودوافع السقوط . والاستقامة جهد لا يقدر عليه إلا بالصبر . الصبر الذي يستحق أن يذكره الله في هذا الفرقان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

القول في تأويل قوله تعالى : { أُوْلََئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقّوْنَ فِيهَا تَحِيّةً وَسَلاَماً } .

يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين وصفت صفتهم من عبادي ، وذلك من ابتداء قوله : وَعِبادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ على الأرْضِ هَوْنا . . . إلى قوله : وَالّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنا هَبْ لَنا مِنْ أزْوَاجِنا . . . الاَية يُجْزَوْنَ يقول : يُثابون على أفعالهم هذه التي فعلوها في الدنيا الغُرْفَةَ وهي منزلة من منازل الجنة رفيعة بِمَا صَبرُوا يقول : بصبرهم على هذه الأفعال ، ومقاساة شدتها . وقوله : وَيُلَقّوْنَ فِيها تَحِيّةً وَسَلاما اختلفت القرّاء في قراءته ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة : وَيُلَقّوْنَ مضمومة الياء ، مشدّدة القاف ، بمعنى : وتتلقاهم الملائكة فيها بالتحية . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : «ويَلْقَوْنَ » بفتح الياء ، وتخفيف القاف .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأَة الأمصار ، بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أن أعجب القراءتين إليّ أن أقرأ بها «وَيَلْقَوْنَ فِيها » بفتح الياء ، وتخفيف القاف ، لأن العرب إذا قالت ذلك بالتشديد ، قالت : فلان يُتَلَقّى بالسلام وبالخير ، ونحن نَتَلقاهم بالسلام ، قرنته بالياء ، وقلما تقول : فلان يُلَقّى السلام ، فكان وجه الكلام ، لو كان بالتشديد ، أن يقال : ويُتَلَقّون فيها بالتحية والسلام . وإنما اخترنا القراءة بذلك ، كما تجيز : أخذت بالخطام ، وأخذتُ الخطام . وقد بيّنا معنى التحية والسلام فيما مضى قبل ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

{ أولئك يجزون الغرفة } أعلى مواضع الجنة وهي اسم جنس أريد به الجمع كقوله تعالى : { وهم في الغرفات آمنون } وللقراءة بها ، وقيل هي من أسماء الجنة . { بما صبروا } وبصبرهم على المشاق من مضض الطاعات ورفض الشهوات وتحمل المجاهدات . { ويلقون فيها تحية وسلاما } دعاء بالتعمير والسلامة أي يحييهم الملائكة ويسلمون عليهم ، أو يحيي بعضهم بعضا ويسلم عليه ، أو تبقية دائمة وسلامة من كل آفة ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر يلقون من لقي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا} (75)

قرأ أبي كعب «يجازون » بألف ، و { الغرفة } من منازل الجنة وهي الغرفة فوق الغرف وهو اسم الجنة كما قال : [ الهزج ]

ولولا الحبة السمراء . . . لم نحلل بواديكم{[8891]}

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «ويُلَقّون » بضم الياء وفتح اللام وشد القاف وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والحسن ، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم وطلحة ومحمد اليماني ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم «ويلْقون » بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف ، واختلف عن عاصم{[8892]} .


[8891]:الحبة: واحدة الحب، وهو ما يكون في السنبل والأكمام كالقمح والشعير، وجمع الحب: حبوب، والحلول: النزول، والشاهد أن الحبة: اسم جنس كالغرفة.
[8892]:لأن القراءة الثابتة في المصحف عن عاصم من طريق حفص جاءت بضم الياء وتشديد القاف.