في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

وأنه حكم لهم بأحقية دفاعهم وسلامة موقفهم من الناحية الأدبية فهم مظلومون غير معتدين ولا متبطرين :

( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) . .

وأن لهم أن يطمئنوا إلى حماية الله لهم ونصره إياهم : ( وإن الله على نصرهم لقدير ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ} (39)

القول في تأويل قوله تعالى : { أُذِنَ لِلّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنّ اللّهَ عَلَىَ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : أَذن الله للمؤمنين الذين يقاتلون المشركين في سبيله بأن المشركين ظلموهم بقتالهم .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة : أُذِنَ بضم الألف ، يُقاتَلُونَ بفتح التاء بترك تسمية الفاعل في «أُذِنَ » و«يُقاتَلُون » جميعا . وقرأ ذلك بعض الكوفيين وعامة قرّاء البصرة : أُذِنَ بترك تسمية الفاعل ، و«يُقاتِلُونَ » بكسر التاء ، بمعنى يقاتل المأذون لهم في القتال المشركين . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين وبعض المكيين : «أَذِنَ » بفتح الألف ، بمعنى : أذن الله ، و«يُقاتِلُونَ » بكسر التاء ، بمعنى : إن الذين أذن الله لهم بالقتال يقاتلون المشركين . وهذه القراءات الثلاث متقاربات المعنى لأن الذين قرءوا أُذِنَ على وجه ما لم يسمّ فاعله يرجع معناه في التأويل إلى معنى قراءة من قرأه على وجه ما سمي فاعله . وإن من قرأ «يُقاتِلونَ ويُقاتَلُونَ » بالكسر أو الفتح ، فقريب معنى أحدهما من معنى الاَخر وذلك أن من قاتل إنسانا فالذي قاتله له مقاتل ، وكل واحد منهما مقاتل . فإذ كان ذلك كذلك فبأية هذه القراءات قرأ القاريء فمصيب الصواب .

غير أن أحبّ ذلك إليّ أن أقرأ به : «أَذِنَ » بفتح الألف ، بمعنى : أذن الله ، لقرب ذلك من قوله : إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ أذن الله في الذين لا يحبهم للذين يقاتلونهم بقتالهم ، فيردّ «أَذنَ » على قوله : إنّ اللّهَ لا يُحِبّ ، وكذلك أحبّ القراءات إليّ في «يُقاتِلُونَ » كسر التاء ، بمعنى : الذين يقاتلون من قد أخبر الله عنهم أنه لا يحبهم ، فيكون الكلام متصلاً معنى بعضه ببعض .

وقد اختُلف في الذين عُنوا بالإذن لهم بهذه الاَية في القتال ، فقال بعضهم : عني به : نبيّ الله وأصحابه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا وَإنّ اللّهَ عَلى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ يعني محمدا وأصحابه إذا أُخرجوا من مكة إلى المدينة يقول الله : فإنّ اللّهَ عَلى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ وقد فعل .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جُبير ، قال : لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة ، قال رجل : أخرجوا نبيهم فنزلت : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا . . . الاَية ، الّذِينَ أخرِجُوا منْ دِيارِهمْ بغيرِ حقَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : حدثنا إسحاق بن يوسف ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ليهلكُنّ قال ابن عباس : فأنزل الله : أُذِنَ للّذِينَ يَقاتَلونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا وَإنّ اللّهَ عَلى نَصْرِهمْ لَقَدِيرٌ قال أبو بكر : فعرفت أنه سيكون قتال . وهي أوّل آية نزلت .

قال ابن داود : قال ابن إسحاق : كانوا يقرءون : أُذِنَ ونحن نقرأ : «أَذِنَ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا إسحاق ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه ، إلا أنه قال : فقال أبو بكر : قد علمت أنه يكون قتال . وإلى هذا الموضع انتهى حديثه ، ولم يزد عليه .

حدثني محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، قال أبو بكر : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ليهلكُنّ جميعا فلما نزلت : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا . . . إلى قوله : الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ عرف أبو بكر أنه سيكون قتال .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا قال : أذن لهم في قتالهم بعد ما عفا عنهم عشر سنين . وقرأ : الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ وقال : هؤلاء المؤمنون .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بغَيْرِ حَقّ .

وقال آخرون : بل عُني بهذه الاَية قوم بأعيانهم كانوا خرجوا من دار الحرب يريدون الهجرة ، فُمِنُعوا من ذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا قال : أناس مؤمنون خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة ، فكانوا يمنعون ، فأذن اللّهِ للمؤمنين بقتال الكفار ، فقاتلوهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، في قوله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا قال : ناس من المؤمنين خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة ، وكانوا يمنعون ، فأدركهم الكفار ، فأذن للمؤمنين بقتال الكفار فقاتلوهم . قال ابن جُرَيج : يقول : أوّل قتال أذن الله به للمؤمنين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : في حرف ابن مسعود : «أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ في سَبِيلِ اللّهِ » قال قَتادة : وهي أوّل آية نزلت في القتال ، فأذن لهم أن يقاتلوا .

حدثنا الحَسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا قال : هي أوّل آية أنزلت في القتال ، فأذن لهم أن يقاتلوا .

وقد كان بعضهم يزعم أَن الله إنما قال : أذن للذين يقاتلون بالقتال من أجل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانوا استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الكفار إذَا آذوهم واشتدّوا عليهم بمكة قبل الهجرة غيلة سرّا فأنزل الله في ذلك : إنّ اللّهَ لا يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ فَلَمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ، أطلق لهم قتلهم وقتالهم ، فقال : أُذِنَ للّذِينَ يُقاتَلُونَ بأنّهُمْ ظُلِمُوا . وهذا قول ذكر عن الضحاك بن مزاحم من وجه غير ثبت .

وقوله : وَإنّ اللّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ يقول جلّ ثناؤه : وإن الله على نصر المؤمنين الذين يقاتلون في سبيل الله لقادر ، وقد نصرهم فأعزّهم ورفعهم وأهلك عدوّهم وأذلهم بأيديهم .