في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (40)

40

( قل : أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ، أغير الله تدعون - إن كنتم صادقين - بل إياه تدعون ، فيكشف ما تدعون إليه - إن شاء - وتنسون ما تشركون ) . .

هذا طرف من وسائل المنهج الرباني في خطاب الفطرة الإنسانية بهذه العقيدة يضم إلى ذلك الطرف الذي سبق بيانه في الفقرة السابقة وفيما قبلها وما بعدها كذلك في سياق السورة .

لقد خاطبها هناك بما في عوالم الأحياء من آثار التدبير الإلهي والتنظيم ؛ وبما في علم الله من إحاطة وشمول . وهو هنا يخاطبها ببأس الله ؛ وبموقف الفطرة إزاءه حين يواجهها في صورة من صورة الهائلة ، التي تهز القلوب ، فيتساقط عنها ركام الشرك ؛ وتتعرى فطرتها من هذا الركام الذي يحجب عنها ما هو مستقر في أعماقها من معرفتها بربها ، ومن توحيدها له أيضا :

( قل : أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة . . أغير الله تدعون . . إن كنتم صادقين ) . .

إنها مواجهة الفطرة بتصور الهول . . عذاب الله في الدنيا عذاب الهلاك والدمار ؛ أو مجيء الساعة على غير انتظار . . والفطرة حين تلمس هذه اللمسة ؛ وتتصور هذا الهول ؛ تدرك - ويعلم الله سبحانه أنها تدرك - حقيقة هذا التصور ، وتهتز له ؛ لأنه يمثل حقيقة كامنة فيها ، يعلم بارئها سبحانه أنها كامنة فيها ويخاطبها بها على سبيل التصور ؛ فتهتز لها وترتجف وتتعرى !

وهو يسألهم ويطلب إليهم الجواب بالصدق من ألسنتهم ؛ ليكون تعبيرا عن الصدق في فطرتهم :

( أغير الله تدعون . . إن كنتم صادقين ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (40)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . .

اختلف أهل العربية في معنى قوله : أرأيْتَكُمْ فقال بعض نحويّي البصرة : الكاف التي بعد التاء من قوله : أرأيْتَكُمْ إنما جاءت للمخاطبة ، وتركت التاء مفتوحة كما كانت للواحد ، قال : وهي مثل كاف رُوَيدك زيدا ، إذا قلت : أرود زيدا ، هذه الكاف ليس لها موضع مسمى بحرف لا رفع نصب ، وإنما هي في المخاطبة مثل كاف ذاك ، ومثل ذلك قول العرب : أبصرك زيدا ، يدخلون الكاف للمخاطبة .

وقال آخرون منهم : معنى : أرأيْتَكُمْ إنْ أتاكُمْ أرأيتم ، قال : وهذه الكاف تدخل للمخاطبة مع التوكيد ، والتاء وحدها هي الاسم ، كما أدخلت الكاف التي تفرّق بين الواحد والاثنين والجميع في المخاطبة كقولهم : هذا ، وذاك ، وتلك ، وأولئك ، فتدخل الكاف للمخاطبة وليست باسم ، والتاء هو الاسم للواحد والجميع ، تُرِكَتْ على حال واحدة ، ومثل ذلك قولهم : ليسك ثم إلاّ زيد ، يراد : ليس ولا سِيّك زيد ، فيراد : ولا سيما زيد ، وبلاك ، فيراد بلى ، في معنى : ولبئسك رجلاً ولنعمك رجلاً وقالوا : انظرك زيدا ما أصنع به ، وأبصرك ما أصنع به ، بمعنى أبصرُه . وحكى بعضهم : أبصركم ما أصنع به ، يراد : أبصروا ، وانظركم زيدا : أي انظروا . وحكي عن بعض بني كلاب : أتعلمك كان أحد أشعر من ذي الرمة ؟ فأدخل الكاف . وقال بعض نحوّيي الكوفة : أرأيتك عمرا أكثرُ الكلام ، فيه ترك الهمز . قال : والكاف من أرأيتك في موضع نصب ، كأن الأصل : أرأيت نفسك على غير هذه الحال ؟ قال : فهذا يثنى ويجمع ويؤنث ، فيقال : أرأيتما كما وأرأيتموكم وأرَيْتُنّكُنّ أوقع فعله على نفسه ، وسأله عنها ، ثم كثر به الكلام حتى تركوا التاء موحدة للتذكير والتأنيث والتثنية والجمع ، فقالوا : أرأيتكم زيدا ما صنع ، وأرأيتكن زيدا ما صنع ، فوحدوا التاء وثّنُوا الكاف وجمعوها فجعلوها بدلاً من التاء ، كما قال : هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ وهاءَ يا رجل ، وهاؤُما ، ثم قالوا : هاكم ، اكتفى بالكاف والميم مما كان يثنى ويجمع ، فكأن الكاف في موضع رفع إذ كانت بدلاً من التاء ، وربما وحدت للتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، وهي كقول القائل : عليك زيدا ، الكاف في موضع خفض ، والتأويل رفع . فأما ما يجلب فأكثر ما يقع على الأسماء ، ثم تأتي بالاستفهام ، فيقال : أرأيتك زيدا هل قام ، لأنها صارت بمعنى : أخبرني عن زيد ، ثم بين عما يستخبر ، فهذا أكثر الكلام ، ولم يأت الاستفهام ثنيها ، لم يقل : أرأيتك هل قمت ، لأنهم أرادوا أن يبينوا عمن يسأل ، ثم تبين الحالة التي يسأل عنها ، وربما جاء بالخير ولم يأت بالاسم ، فقالوا : أرأيت زيدا هل يأتينا ، وأرأيتك أيضا ، وأرأيت زيدا إن أتيته هل يأتينا إذا كانت بمعنى أخبرني ، فيقال باللغات الثلاث .

وتأويل الكلام : قل يا محمد لهؤلاء العادلين بالله الأوثان والأصنام ، أخبروني إن جاءكم أيها القوم عذاب الله ، كالذي جاء من قبلكم من الأمم الذين هلك بعضهم بالرجفة ، وبعضهم بالصاعقة ، أو جاءتكم الساعة التي تنشرون فيها من قبوركم وتبعثون لموفق القيامة ، أغير الله هناك تدعون لكشف ما نزل بكم من البلاء أو إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل بكم من عظيم البلاء إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ يقول : إن كنتم محقّين في دعواكم وزعمكم أن آلهتكم تدعونها من دون الله تنفع أو تضرّ .