في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44)

21

ثم يخطو خطوة أخرى في تحقير هؤلاء الذين يتعبدون هواهم ، ويحكمون شهواتهم ، ويتنكرون للحجة والحقيقة ، تعبدا لذواتهم وهواها وشهواتها . يخطو خطوة أخرى فيسويهم بالأنعام التي لا تسمع ولا تعقل . ثم يخطو الخطوة الأخيرة فيدحرجهم من مكانة الأنعام إلى درك أسفل و أحط :

( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ? إن هم إلا كالأنعام . بل هم أضل سبيلا ) .

وفي التعبير تحرز وإنصاف ، إذ يذكر( أكثرهم )ولا يعمم ، لأن قلة منهم كانت تجنح إلى الهدى ، أو تقف عند الحقيقة تتدبرها . فأما الكثرة التي تتخذ من الهوى إلها مطاعا ، والتي تتجاهل الدلائل وهي تطرق الأسماع والعقول ، فهي كالأنعام . وما يفرق الإنسان من البهيمة إلا الاستعداد للتدبر والإدراك ، والتكيف وفق ما يتدبر ويدرك من الحقائق عن بصيرة وقصد وإرادة واقتناع ، ووقوف عند الحجة والاقتناع . بل إن الإنسان حين يتجرد من خصائصه هذه ليكونن أحط من البهيمة ، لأن البهيمة تهتدى بما أودعها الله من استعداد ، فتؤدي وظائفها أداء كاملا صحيحا . بينما يهمل الإنسان ما أودعه الله من خصائص ، ولا ينتفع بها كما تنتفع البهيمة :

( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ) . .

وهكذا يعقب على استهزائهم برسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ذلك التعقيب الذي يخرج المستهزئين من إطار الآدمية في عنف واحتقار ومهانة .

وهكذا ينتهي الشوط الثاني في السورة .