اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44)

{ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون } يسمعون ما تقول سماع طالب الإفهام ، أو يعقلون ما يعاينون من الحجج والأعلام . و «أم » هنا منقطعة بعنى : بل . { إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام } في عدم انتفاعهم بالكلام ، وعدم تدبرهم ، وتفكرهم ، بل هم أضل سبيلاً لأن البهائم تهتدي لمراعيها ومشاربها ، وتَنْقَاد لأربابها التي تتعهدها ، ( وتطلب ما ينفعها ، وتجتنب ما يضرها ، وقلوب الأنعام خالية عن العلم ، وعن الاعتقاد الفاسد ، وهؤلاء قلوبهم خالية عن العلم ومليئة من الاعتقاد والباطل ، وعدم علم الأنعام لا يضر بأحد ، وجهل هؤلاء منشأ للضرر العظيم ، لأنهم يصدون الناس عن سبيل الله ، والبهائم لا تستحق عقاباً على عدم العلم ، وهؤلاء يستحقون على عدم العلم أعظم العقاب ){[36282]} ، وهؤلاء الكفار لا يعرفون طريق الحق ولا يطيعون ربهم الذي خلقهم ورزقهم ، ولأن الأنعام تسجد وتسبح الله ، وهؤلاء الكفار لا يفعلون{[36283]} فإن قيل : لم قال : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ } فحكم بذلك على الأكثر دون الكل ؟ فالجواب : لأنه كان فيهم من يعرف الله ويعقل الحق إلا أنه ترك الإسلام لحبّ الرياسة لا للجهل{[36284]} . فإن قيل : إنه تعالى لما نفى عنهم السمع والعقل فكيف ذمهم على الإعراض عن الدين ، وكيف بعث الرسول إليهم ، فإن{[36285]} من شرط التكليف العقل ؟ فالجواب : ليس المراد أنهم لا يعقلون بل المراد أنهم لم ينتفعوا بذلك العقل ، فهو كقول الرجل لغيره إذا لم يفهم : إنما أنت أعمى وأصم{[36286]} .


[36282]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[36283]:انظر الفخر الرازي 24/86 – 87.
[36284]:انظر الفخر الرازي 24/86.
[36285]:في ب: وإن.
[36286]:انظر الفخر الرازي 24/87.