فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44)

ثم انتقل سبحانه من الإنكار الأول إلى إنكار آخر ، فقال : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ } أي أتحسب أن أكثرهم يسمعون ما تتلو عليهم من آيات القرآن ، ومن المواعظ ؟ أو يعقلون معاني ذلك ، ويفهمونه حتى تعتني بشأنهم ، وتطمع في إيمانهم ، وليسوا كذلك ، بل هم بمنزلة من لا يسمع ولا يعقل .

ثم بين سبحانه حالهم ، وقطع مادّة الطمع فيهم ، فقال : { إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام } أي ما هم في الانتفاع بما يسمعونه إلاّ كالبهائم التي هي مسلوبة الفهم والعقل فلا تطمع فيهم ، فإن فائدة السمع والعقل مفقودة ، وإن كانوا يسمعون ما يقال لهم ويعقلون ما يتلى عليهم ، ولكنهم لما لم ينتفعوا بذلك كانوا كالفاقد له . ثم أضرب سبحانه عن الحكم عليهم بأنهم كالأنعام إلى ما هو فوق ذلك ، فقال : { بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } أي أضل من الأنعام طريقاً . قال مقاتل : البهائم تعرف ربها ، وتهتدي إلى مراعيها ، وتنقاد لأربابها ، وهؤلاء لا ينقادون ، ولا يعرفون ربهم الذي خلقهم ورزقهم . وقيل إنما كانوا أضلّ من الأنعام ، لأنه لا حساب عليها ، ولا عقاب لها ، وقيل إنما كانوا أضلّ ؛ لأن البهائم إذا لم تعقل صحة التوحيد والنبوة لم تعتقد بطلان ذلك ، بخلاف هؤلاء فإنهم اعتقدوا البطلان عناداً ومكابرة وتعصباً وغمطاً للحق .

/خ44