فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا} (44)

{ أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا43 أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا44 }

أرأيت يا محمد ، أو الخطاب لكل من هو أهل له- وهي إما من الرؤية البصرية أو الرؤية البصيرية-والاستفهام تعجيبي ، أأبصرت الذين عبدوا أهواءهم وأطاعوها ، وما لهم سوى ما تهوى أنفسهم من إفك وباطل ، وما أشربته قلوبهم ، من اتباع{[2592]} ما تزخرفه لهم شياطينهم . فتحبب إليهم الجبت والطاغوت ، وتضيق صدورهم إذا دعوا إلى البر الرحيم ، الحي الذي لا يموت ، وهكذا يبين القرآن الكريم مبلغ شقوتهم ، فجاء في آية كريمة : ) وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ){[2593]}( . . وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا( {[2594]} أبعد ما شاهدت غلو هذا المفتون في طاعة الهوى ويجبره على الانقياد للرشد به شاء أو أبى أفأنت تملك أن تزجره عن الغي وترشده إلى الحق طوعا أو كرها ؟   ! فكأن الاستفهام يراد به الاستبعاد والإنكار ، ثم أضرب عن الإنكار هذا وانتقل إلى إنكار حسبانه صلى الله تعالى عليه وسلم إياهم ممن يسمع أو يعقل ينبىء عنه جده عليه الصلاة والسلام في الدعوة ، واهتمامه بالإرشاد والتذكير ، على معنى أنه لا ينبغي أن يقع ، أي  !

بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون حق السماع ما تتلو عليهم من الآيات القرآنية ، أو يعقلون ما أظهر لهم من الآيات الأفاقية والأنفسية فتعتني في شأنهم ، وتطمع في إيمانهم ؟ . . وتخصيص الأكثر لأن منهم من سبقت له العناية الأزلية بالإيمان بعد الاتخاذ المذكور . . وقوله تعالى{ إن هم إلا كالأنعام } . . لتكرير النكير وتأكيده ، وحسم مادة الحسبان بالمرة ، والضمير[ للأكثر ]{ من } في الآية السابقة- واكتفى عن ذكر الأكثر بما قبله أي : ما هم في عدم الانتفاع بما يقرع آذانهم من قوارع الآيات ،   ! وانتفاء التدبر بما يشاهدونه من الدلائل البينات إلا كالبهائم التي هي مثل في الغفلة : وعلم في الضلالة{ بل هم أضل } منها{ سبيلا } لما أنها تنقاد لصاحبها الذي يتعهدها . . وتهتدي لمراعيها ومشاربها ، وتأوي إلى معاطنها ومرابضها ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم سبحانه وخالقهم ورازقهم . . ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ، ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك . . . . ولأن أحكام جهالتها وضلالتها مقصورة على أنفسها لا تتعدى إلى أحد ، وجهالة هؤلاء مؤدية إلى ثوران الفتنة والفساد ، وصد الناس عن سنن السداد ، وهيجان الهرج والمرج فيما بين العباد-{[2595]} .


[2592]:أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحليةعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما تحت ظل السماء من إله يعبد من دون الله أعظم عند الله عز وجل من هوى يتبع"، وفي المأثور:آفة الدين ثلاثة:شح مطاع،وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه: روى: وإعجاب كل ذي رأي برأيه.
[2593]:سورة الزمر.الآية 45.
[2594]:سورة الإسراء. من الآية 46.
[2595]:ما بين العارضتين مما أورده الأولوسى، بتصرف.