ثم انتقل سبحانه من الإنكار الأول إلى إنكار آخر فقال :
{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ ؟ } " ما تتلو عليهم من آيات القرآن ، ومن المواعظ سماع تفهم ، واعتبار " { أَوْ يَعْقِلُونَ } معاني ذلك ويفهمونه ، حتى تعتني بشأنهم ، وتطمع في إيمانهم ، وليسوا كذلك ، بل هم بمنزلة من لا يسمع ، ولا يعقل . وتخصيص الأكثر بالذكر ، لأنه كان منهم من آمن ، ومنهم من عقل الحق ، وكابر استكبارا وخوفا على الرياسة ، ثم بين سبحانه حالهم ، وقطع مادة الطمع فيهم فقال :
{ إِنْ هُمْ } أي ما هم في الانتفاع بما يسمعونه { إِلا كَالأَنْعَامِ } التي هي مسلوبة العقل والفهم ، فلا تطمع فيهم فإن فائدة السمع والعقل مفقودة ، وإن كانوا يسمعون ما يقال لهم ، ويعقلون ما يتلى عليهم ، ولكنهم لما لم ينتفعوا بذلك ، كانوا كالفاقد له . ثم أضرب سبحانه عن الحكم عليهم ، بأنهم كالأنعام ، إلى ما هو فوق ذلك ، فقال :
{ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } من الأنعام { سَبِيلا } أي طريقا قال مقاتل : البهائم تعرف ربها ، وتهتدي إلى مراعيها ومشاربها ، وتنقاد لأربابها ، وهؤلاء لا ينقادون ولا يعرفون ربهم ، الذي خلقهم ، ورزقهم ، والمعنى أنها تنقاد لمن يتعهدها وتميز من يحسن إليها ممن يسيء إليها وتطلب ما ينفعها ، وتجتنب ما يضرها ، وهؤلاء ، لا ينقادون لربهم ، ولا يعرفون إحسانه من إساءة الشيطان ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار ولأن جهالتها لا تضر بأحد وجهالة هؤلاء تؤدي إلى تهييج الفتن ، وصد الناس عن الحق ، ولأنها غير متمكنة من طلب الكمال ، فلا تقصير منها ، ولا ذم عليها ، وهؤلاء مقصرون ، ومستحقون أعظم العقاب على تقصيرهم .
وقيل إنما كانوا أضل من الأنعام لأنه لا حساب عليها ولا عقاب لها ، وقيل إنما كانوا أضل لأن البهائم إذا لم تعقل صحة التوحيد والنبوة ، لم تعتقد بطلان ذلك ، بخلاف هؤلاء ، فإنهم اعتقدوا البطلان عنادا ومكابرة ، وتعصبا . وغمطا للحق ، وقيل إن الأنعام تسجد وتسبح ، والكفار لا يفعلون ذلك ، وقيل الملائكة روح ، وعقل ، والبهائم نفس ، وهوى ، والآدمي مجمع الكل ابتلاء ، فإن غلبته النفس والهوى ، فضلته الأنعام ، وإن غلبته الروح وضلالتهم ، أتبعه بذكر طرف من دلائل التوحيد مع ما فيها من عظيم الإنعام ، وحاصل ما ذكر منها خمسة ، فأولها الاستدلال بأحوال الظل فقال :
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا ( 45 ) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ( 46 ) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ( 47 ) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ( 48 ) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ( 49 ) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا ( 50 ) } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.