تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٖۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (35)

ف { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ْ } أي : ما ينبغي ولا يليق ، لأن ذلك من الأمور المستحيلة ، لأنه الغني الحميد ، المالك لجميع الممالك ، فكيف يتخذ من عباده ومماليكه ، ولدا ؟ ! { سُبْحَانَهُ ْ } أي : تنزه وتقدس عن الولد والنقص ، { إِذَا قَضَى أَمْرًا ْ } أي : من الأمور الصغار والكبار ، لم يمتنع ، عليه ولم يستصعب { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ْ } فإذا كان قدره ومشيئته نافذا في العالم العلوي والسفلي ، فكيف يكون له ولد ؟ " . وإذا كان إذا أراد شيئا قال له : { كُن فَيَكُونُ ْ } فكيف يستبعد إيجاده عيسى من غير أب ؟ ! .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٖۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (35)

جملة { مَا كَانَ لله أنْ يتَّخِذْ من ولد } تقرير لمعنى العبودية ، أو تفصيل لمضمون جملة { الذي فيه يمترون } فتكون بمنزلة بدل البعض أو الاشتمال منها ، اكتفاءً بإبطال قول النصارى بأن عيسى ابن الله ، لأنه أهم بالإبطال ، إذ هو تقرير لعبودية عيسى وتنزيه لله تعالى عما لا يليق بجلال الألوهيّة من اتخاذ الولد ومن شائبة الشرك ، ولأنه القول الناشيء عن الغلوّ في التقديس ، فكان فيما ذكر من صفات المدح لعيسى ما قد يقوي شبهتهم فيه بخلاف قول اليهود فقد ظهر بطلانه بما عُدد لعيسى من صفات الخير .

وصيغة { ما كان لله أن يتّخذ } تفيد انتفاء الولد عنه تعالى بأبلغ وجه لأنّ لام الجحود تفيد مبالغة النّفي ، وأنه مما لا يلاقي وجود المنفي عنه ، ولأن في قوله : { أن يتخذَ } إشارة إلى أنه لو كان له ولد لكان هو خَلَقَه ، واتّخذه فلم يَعْدُ أن يكون من جملة مخلوقاته ، فإثبات البنوّة له خُلْف من القَوْل .

وجملة { إذا قَضَى أمراً إنما يَقُولُ لهُ كُن فيَكُونُ } بيان لجملة { ما كان لله أن يتَّخِذ من ولدٍ } ، لإبطال شبهة النصارى إذ جعلوا تكوين إنسان بأمر التكوين عن غير سبب معتاد دليلاً على أن المكوّن ابن لله تعالى ، فأشارت الآية إلى أن هذا يقتضي أن تكون أصول الموجودات أبناء لله وإن كان ما يقتضيه لا يخرج عن الخضوع إلى أمر التكوين .