تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا يَسۡمَعُواْۖ وَتَرَىٰهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ وَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (198)

198 ، 197 وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ .

وهذا أيضا في بيان عدم استحقاق هذه الأصنام التي يعبدونها من دون اللّه لشيء من العبادة ، لأنها ليس لها استطاعة ولا اقتدار في نصر أنفسهم ، ولا في نصر عابديها ، وليس لها قوة العقل والاستجابة .

فلو دعوتها إلى الهدى لم تهتد ، وهي صور لا حياة فيها ، فتراهم ينظرون إليك ، وهم لا يبصرون حقيقة ، لأنهم صوروها على صور الحيوانات من الآدميين أو غيرهم ، وجعلوا لها أبصارا وأعضاء ، فإذا رأيتها قلت : هذه حية ، فإذا تأملتها عرفت أنها جمادات لا حراك بها ، ولا حياة ، فبأي رأي اتخذها المشركون آلهة مع اللّه ؟ ولأي مصلحة أو نفع عكفوا عندها وتقربوا لها بأنواع العبادات ؟

فإذا عرف هذا ، عرف أن المشركين وآلهتهم التي عبدوها ، لو اجتمعوا ، وأرادوا أن يكيدوا من تولاه فاطر الأرض والسماوات ، متولي أحوال عباده الصالحين ، لم يقدروا على كيده بمثقال ذرة من الشر ، لكمال عجزهم وعجزها ، وكمال قوة اللّه واقتداره ، وقوة من احتمى بجلاله وتوكل عليه .

وقيل : إن معنى قوله وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ أن الضمير يعود إلى المشركين المكذبين لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، فتحسبهم ينظرون إليك يا رسول اللّه نظر اعتبار يتبين به الصادق من الكاذب ، ولكنهم لا يبصرون حقيقتك وما يتوسمه المتوسمون فيك من الجمال والكمال والصدق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن تَدۡعُوهُمۡ إِلَى ٱلۡهُدَىٰ لَا يَسۡمَعُواْۖ وَتَرَىٰهُمۡ يَنظُرُونَ إِلَيۡكَ وَهُمۡ لَا يُبۡصِرُونَ} (198)

عطف على جملة { والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم } [ الأعراف : 197 ] الآية أي قُل للمشركين : وإن تدعوا الذين تدعون من دون الله إلى الهدى لا يسمعوا .

والضمير المرفوع للمشركين ، والضمير المنصوب عائِد إلى الذين تدعون من دونه ، أي الأصنام .

والهدى على هذا الوجه ما فيه رشد ونفع للمدعو . وذكر { إلى الهدى } لتحقيق عدم سماع الأصنام ، وعدم إدراكها ، لأن عدم سماع دعوة ما ينفع لا يكون إلا لعدم الإدراك .

ولهذا خولف بين قوله هنا { لا يسمعوا } وقوله في الآية السابقة { لا يتبعوكم } [ الأعراف : 193 ] لأن الأصنام لا يتأتى منها الاتباع ، إذ لا يتأتى منها المشي الحقيقي ولا المجازي أي الامتثال .

والخطاب في قوله { وتراهم } لمن يصلح أن يخاطب فهو من خطاب غير المعين .

ومعنى ينظرون إليك على التشبيه البليغ ، أي تراهم كأنهم ينظرون إليك ، لأن صور كثير من الأصنام كان على صور الأناسي وقد نحتوا لها أمثال الحدَق الناظرة إلى الواقف أمامها قال في « الكشاف » « لأنهم صوروا أصنامهم بصورة من قلّب حدقته إلى الشيء ينظر إليه » .